![]() انتهاء الاعتصام بعد
1255
يــــــوم
بسم الله الرحمن الرحيم. يُنهي شيخ الطريقة العمرية عبد الغني العمري الحسني، إلى علم الرأي العام، ومن بعده إلى علم أتباع الطريقة العمرية في أنحاء العالم، أنه: 1. قد عزم على إيقاف اعتصامه مع عائلته داخل بيته نهاية يوم الثلاثاء 15-5-2018م، بمناسبة حلول شهر رمضان الكريم لعام 1439ه. وللإشارة، فإن هذا الاعتصام قد بدأ يوم الاثنين 8-12-2014م، واستمر طيلة 1255 يوم. 2. سيغادر مدينة جرادة التي كانت محل اضطهاده وعائلته من طرف السلطات المحلية والأجهزة الأمنية، مع توظيف الأوباش والسفهاء من أهل المدينة في هذا العمل الشنيع. وسيكون مقر الشيخ المقبل إن شاء الله بمدينة سلا، مرفوقا بجميع أفراد عائلته. حرر بجرادة ليلة الأربعاء: 16-5-2018م. شيخ الطريقة العمرية: عبد الغني العمري الحسني ![]() ![]()
Translated
Sheikh's Books |
![]()
2023/09/18
زلزال المغرب
إن الزلزال الذي أصاب وسط المغرب في الأيّام الأخيرة، كان منبها قويّا من ملك السماوات والأرض، لعل شعبا أصيلا أن يعود إلى أصالته. ولسنا نعني بالأصالة هنا إلا الدين كما كان يعرفه أجدادنا: بسيطا وعميقا وصادقا. وبما أن الأقاويل قد كثرت بخصوص هذا الأمر، فإننا سنعرض لخلاصات تعين الناس على الفهم في الحدّ الأدنى، والله الموفِّق: 1. يقول الله تعالى: {وَبَلَوۡنَـٰهُم بِٱلۡحَسَنَـٰتِ وَٱلسَّیِّـَٔاتِ لَعَلَّهُمۡ یَرۡجِعُونَ} [الأعراف: 168]: أي، امتحنّاهم بالخير والشر، لعلهم يرجعون إلينا، بتفويض الأمر وبالتسليم لنا في أفعالنا، وبالتزام شريعتنا بتنفيذ أمرنا واجتناب نهينا. هذا، مع أن الله غني عن العالمين وعن رجوعهم؛ ولكنه سبحانه من عنايته بعباده يُكثر من أسباب نجاتهم لديه وإن غفلوا عن جُلّها. والمغاربة شعب ابتلاه الله ببلد جميل، متنوع الجمال، وبخيرات من الأرض والسماء وصنوف الناس الطيّبين البسطاء، ما لا يكادون يشعرون به عندما يطول الأمد. فتأتي هذه الهزّات، لتُذهب بلادة الحسّ، ولتعيد البوصلة الباطنية إلى الوضع الفطري، فيعود إلى الله من شاء الله له العودة، وتقوم الحجة على قوم لم نعد نعرفهم: انساقوا خلف الشياطين، وهم يتوهمون أنهم يعتمدون العقلانية، أو يخلُصون إلى حداثة لم يتبيّنوها... ويقول الله أيضا: {أُو۟لَـٰۤىِٕكَ یَدۡعُونَ إِلَى ٱلنَّارِۖ وَٱللَّهُ یَدۡعُوۤا۟ إِلَى ٱلۡجَنَّةِ وَٱلۡمَغۡفِرَةِ بِإِذۡنِهِۦۖ وَیُبَیِّنُ ءَایَـٰتِهِۦ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمۡ یَتَذَكَّرُونَ} [البقرة: 221]: ومن نعمة الله على عباده، أنه لم يتركهم عُرضة لدعوات الإضلال وحدها، وبيّن لهم الآيات لعلهم يتذكرون. وتبيين الآيات، يكون بوسائل عديدة وأسباب كثيرة؛ والآيات، هي العلامات الدالة على معاني الأسماء الإلهية التي بها يعرف الناس ربهم: فآيات القُدرة تعيد العباد إلى القدير، وآيات الرحمة تعود بهم إلى الرحيم، وآيات الرزق تربطهم بالرازق، وآيات الحكمة تدلّهم على الحكيم، وهكذا... ولقد جعل الله الانتفاع بالآيات تذكُّرا، ليُنبّههم إلى أن الأصل الذي لديهم، والمركوز في فِطَرهم هو معرفتهم بربهم ولجوؤهم إليه؛ ولكن الغفلة النامية مع نموّ عقولهم الكسبيّة، قد تقطعهم عن ربهم معرفيّا وإن لم ينقطعوا عنه وجدانيا؛ فتكون هذه الآيات المختلفة المتوالية سببا في انقشاع طبقة الأدران عن قلوبهم، وفي بزوغ شمس الإيمان فيها. فيطلع صباحهم، بعد مضيّ ليلهم، فيشكروا ربّهم الذي استنقذهم بإخراجهم من الظلمات إلى النور... {ٱللَّهُ وَلِیُّ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ یُخۡرِجُهُم مِّنَ ٱلظُّلُمَـٰتِ إِلَى ٱلنُّورِۖ وَٱلَّذِینَ كَفَرُوۤا۟ أَوۡلِیَاۤؤُهُمُ ٱلطَّـٰغُوتُ یُخۡرِجُونَهُم مِّنَ ٱلنُّورِ إِلَى ٱلظُّلُمَـٰتِۗ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ أَصۡحَـٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِیهَا خَـٰلِدُونَ} [البقرة: 257]... ويقول سبحانه: {وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَاۤ إِلَىٰۤ أُمَمٍ مِّن قَبۡلِكَ فَأَخَذۡنَـٰهُم بِٱلۡبَأۡسَاۤءِ وَٱلضَّرَّاۤءِ لَعَلَّهُمۡ یَتَضَرَّعُونَ} [الأنعام: 42]: لقد صرنا نسمع كلاما من بعض الجهلة، يعترضون به على كثير من أفعال الله، ظنّا منهم أن الله يُعامَل كما يُعامل العباد؛ وهذا من ضعف عقولهم وخفوت نور إيمانهم. وما علموا أن الله هو الرب، وأنهم العباد؛ وأنه الغنيّ عنهم، وأنهم الفقراء إليه. فيأتي الأخذ بالبأساء والضّرّاء ليُعيدهم إلى مكانتهم قهرا، بعد أن ضلّوا عنها لسبب من الأسباب. فيعودون إلى أصل افتقارهم، ويتضرّعون إليه سبحانه لينتشلهم من السوء الذي علقوا فيه. فيتقبل منهم، ويغفر لهم ويستجيب، فتتبدل أحوالهم وتَبين السبيل أمامهم ويسعدوا بمعاملتهم بعد أن كانوا في عداد الأشقياء. وإن نعمة الضراعة إلى الله، لا يعلمها إلا من طردته الأسباب من أبوابها، فلم يبق له إلا باب مسبب الأسباب، ورب الأرباب. إنها نعمة تستغرق جميع النعم، ولو لم يمنح الله خلصاءه إلا الإذن بمناجاته، لكفاهم ذلك دنيا وآخرة؛ ولكن أكثر الناس لا يعلمون!... 2. نحذّر المغاربة الأُصلاء من اتباع الدين المـُحرّف الذي تكون عليه الوهّابيّة، لأن تديّنهم يوهم بأن أصحابه على الصراط المستقيم، وهم على غيره. وذلك لأنهم لم يأتوا بيت الإيمان من بابه، بل راموا تسلّق الأسوار بعقولهم القاصرة، وأنِفوا من السمع والطاعة لله ورسوله وإن زعموهما، مكتفين بضلالات أئمتهم، ومتنكبين عن المحجّة البيضاء التي لا يزيغ عنها إلا هالك. ونحن هنا لا نتكلم بغير علم، كما قد يتوهمون، أو نبالغ في مؤاخذتهم كما قد يبدو لمن لا علم له؛ بل نقول ما هو عندنا في حكم رأي العيْن، وما هو من علم اليقين. وهذا التديّن الغريب، قد جعل شطرا من المغاربة ينقلبون، حتى ما عدنا نعرفهم: أصبحوا أجلافا، وقد كانوا ليّنين هيّنين؛ وجفّ نبع الإيمان الحق من قلوبهم وإن تشدّقوا بتكرار عباراته؛ فجعلوا كلامهم المشقَّق وِردا يظنون أنه يُعوّضه، واتبعوا أسافل القوم وقد كان آباؤهم ذوي همم عالية، جعلتهم يزهدون في الدنيا ويتمسكون تمسكا متينا بالآخرة... ولقد شاء الله لنا أن نعرف هذا الصنف الأصيل من المغاربة، قبل مقدم فتنة الوهابيّة من المشرق عن طريق المال السعوديّ في ذلك الوقت، فرأينا الفرق وعاينّاه، ولمسنا البينونة بين الحاليْن لمسا لا مرية فيه؛ فكان ذلك دالا لنا على أصل الدين الذي تتبعناه فيما بعد بفضل الله في التفاصيل من الناحية العلمية، فثبت لنا بالدليل العمليّ، وبالبرهان اليقينيّ، أن ما عليه الوهابية هو الضلال بعينه. لهذا، نحن ننصح إخوتنا بما نعلم، لعلهم يعودون إلى الجادة، فيرفع الله بعودتهم عن المغرب البلاء السيّء. وسيأتي بيان سوء البلاء لاحقا بإذن الله... 3. ومن أسباب البلاء السيء أيضا، مجاهرة بعض المغاربة بالكفر وبالمعاصي، وهو ما لم يكن في الأجيال السابقة رغم عدم خلو أرض المغرب من كفر ومن معصية، كما هي سائر البلاد. وإن المجاهرة بما ذكرنا، تدخل في معنى مبارزة الله، ومن بارز الله قصمه. ولقد ذكر الله في أسباب لعن بني إسرائيل قوله تعالى: {لُعِنَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ مِنۢ بَنِیۤ إِسۡرَ ٰءِیلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُۥدَ وَعِیسَى ٱبۡنِ مَرۡیَمَۚ ذَ ٰلِكَ بِمَا عَصَوا۟ وَّكَانُوا۟ یَعۡتَدُونَ كَانُوا۟ لَا یَتَنَاهَوۡنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُۚ لَبِئۡسَ مَا كَانُوا۟ یَفۡعَلُونَ} [المائدة: 78-79]. وسكوت علماء الدين وعموم المسلمين، على ما صرنا نسمعه ونراه من منكرات، لَهُوَ من أكبر أسباب البلاء السيّء، علموا أم لم يعلموا. ويقول النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، في هذا المعنى: «كلُّ أُمَّتي مُعافًى إِلاّ الْمُجاهِرِينَ، وَإِنَّ مِنَ الْجِهارِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلًا ثُمَّ يُصْبِحُ وَقَدْ سَتَرَهُ اللهُ تَعالى فَيَقُولُ: عَمِلْتُ الْبارِحَةَ كَذا وَكَذا... وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ، وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللهِ عَنْهُ.» [متفق عليه، عن أبي هريرة]. ولم تبق المجاهرة عند هذا الحدّ في زماننا، بل أصبحت تعاونا على المعاصي، مع تصوير ذلك ونشره على الملأ وكأن الجهلة صاروا يتباهون بالمعصية!... نسأل الله العافية!... فهل نسوا أن للعالم (وهم منه) ربّا فوقه، يُدبّره ويُقلّب أحواله بين الرفع والخفض، والقبض والبسط؟!... ما أشد هذه الغفلة، وما أكثف هذه الظلمة!... 4. ثم لقد صرنا نسمع بعض العقول المظلمة، تتساءل عن ذنب الأطفال الذين قضوا في الزلزال، وتُنكر أن الله به رحمة عليهم!... وما علموا أن الخلل داخل عليهم من تصوّراتهم الخاطئة، ومن قصور عقولهم عن إدراك أسرار الله وحِكَمه في أفعاله: ا. لأن الموت بسبب من أسباب الهلاك كالزلزال والطوفان والحريق، لا يدل على سوء العاقبة؛ وإنما هو سبب للموت كسائر الأسباب. ولما كان الجاهل يتصوّر أن الموت على السرير أفضل من الموت تحت الردم، ظنّ أن الله لا يُسلّط الزلزال إلا على من لا حظ له في الرحمة؛ وهذا غلط شنيع، لا يقع فيه صغار المؤمنين... ب. لأن البلاء عندما ينزل يعمّ، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلّم: «إِذا أَنْزَلَ اللهُ بِقَوْمٍ عَذابًا أَصابَ الْعَذابُ مَنْ كَانَ فِيهِمْ، ثُمَّ بُعِثُوا عَلَى أَعْمالِهِمْ.» [أخرجه البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما]. وهذا يعني أن الناس إذا استوَوْا عند حال الموت ظاهرا، فإنهم لا يستوون باطنا؛ وبالتالي فإن كل واحد يُبعث على ما كان عليه: فإن كان مُـحسنا بُعث إلى الجنة، وإن كان مُسيئا حُشر إلى النار. وقد سمعت من الناس من لا يُفرّق لعماه بين الحاليْن، ويجعل عموم البلاء من ظلم الله للعباد؛ تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا!... وإنه لخليق بالدولة الإسلامية، أن تُسكت هؤلاء السفهاء، ما داموا لن يسكتوا من أنفسهم... ج. لقد سبق لنا أن وصفنا عدة مرات البلاء بالسيء، وهذا لأن البلاء منه السيء ومنه الحسن. فالسيء هو ما كان عقوبة على معصية، أو ما كان نقصا في الدين وتحريفا. وأما البلاء الحسن فيقول الله تعالى فيه: {وَلِیُبۡلِیَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ مِنۡهُ بَلَاۤءً حَسَنًاۚ} [الأنفال: 17]، حتى يُكفّر عنهم ذنوبهم ويُطهّرهم من آثارها. ويقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيه: «مَا يَزَال الْبَلاءُ بِالْمُؤْمِنِ (وَالْمؤمِنَةِ) في نَفْسِهِ وَولَدِهِ ومَالِهِ، حَتَّى يَلْقَى اللَّه تَعَالَى وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ» [أخرجه الترمذي وأحمد عن أبي هريرة]. فهذا البلاء حسن، لأن نتيجته حسنة؛ وأما من جعل الدنيا معياره، فإنه سيراه سيّئا فيكون قد قلب الحقائق. ولقد كثر في الناس هذا الصنف الذي يريد أن تكون نتيجة تديّنه في دنياه، وكأنه لا آخرة تُرجى له... يقول الله تعالى: {وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن یَعۡبُدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ حَرۡفٍ فَإِنۡ أَصَابَهُۥ خَیۡرٌ ٱطۡمَأَنَّ بِهِۦۖ وَإِنۡ أَصَابَتۡهُ فِتۡنَةٌ ٱنقَلَبَ عَلَىٰ وَجۡهِهِۦ خَسِرَ ٱلدُّنۡیَا وَٱلۡـَٔاخِرَةَۚ ذَ ٰلِكَ هُوَ ٱلۡخُسۡرَانُ ٱلۡمُبِینُ} [الحج: 11]؛ خير: أي من الدنيا لا من عموم الخير. وقد جعل الله من لا يُفرّق بين خيريْ الدنيا والآخرة، ينتهي إلى الخسران المبين. وأما الإيمان والطاعة، فإنهما وإن كانا من أعمال الدنيا، إلا أنهما يُنسبان إلى الآخرة بسبب التعلّق. وهذا أيضا مما ينبغي على الناس التفريق فيه، وهو ما دعا الله تعالى إليه بقوله: {وَٱبۡتَغِ فِیمَاۤ ءَاتَىٰكَ ٱللَّهُ ٱلدَّارَ ٱلۡـَٔاخِرَةَۖ وَلَا تَنسَ نَصِیبَكَ مِنَ ٱلدُّنۡیَاۖ} [القصص: 77]؛ أي، لا تنس نصيبك من أعمال الدنيا النافعة لك في الآخرة. وأما الدنيا بما هي دنيا، فهي أهون عند الله من أن يدل عليها عباده المؤمنين... 5. إن ما يصيب الإنسان في دنياه هو من القدر، ولا إيمان لمن لا يؤمن بالقدر؛ لأن الأحداث لا تقع بمشيئة العباد ولا تبعا لأهوائهم، وإنما تقع بمشيئة الله وبحكمته. فعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: "كُنْتُ رِدْفَ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَالْتَفَتَ إِلَيَّ فَقَالَ: «يا غلامُ، اِحْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ. اِحْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ أَمامَكَ. تَعَرَّفْ إِلَى اللَّهِ فِي الرَّخاءِ، يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ. قَدْ جَفَّ الْقَلَمُ بِما هُوَ كَائِنٌ: فَلَوْ أَنَّ الْخَلْقَ كُلَّهُمْ جَمِيعًا أَرَادُوا أَنْ يِنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَقْضِهِ اللَّهُ لَكَ، لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ؛ أَوْ أَرَادُوا أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَقْضِهِ اللَّهُ عَلَيْكَ، لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ. وَاعْلَمْ أَنَّ ما أَصابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ، وَما أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ. وَاعْلَمْ أَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ، وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا.» [أخرجه الترمذي وأحمد]. ومن كان يشك أن ما أصابه كان يمكن أن يُخطئه، فليعلم أنه غير مؤمن؛ بل لقد سمعنا أحد "المؤثّرين" (بلسان العصر) يقول: "هل كان يُمكن أن ننقذ بعض الذين ماتوا؟"، يريد بهذا تحميل المسؤولية للحكومة بطريقة خبيثة... وما يعلم المسكين أن من مات ما كان أحد يستطيع إنقاذه، ومن لم يمت، ما كان أحد يستطيع إماتته!... من هنا يظهر أن الإيمان علاج للقلوب من أوهامها، ومن شكوكها، التي تعود عليها بسوء العيش في الدنيا قبل عذاب الآخرة، إن كان العبد من المعذّبين فيها... 6. لا بد لفقهاء المغرب أن يقوموا بما كلّفهم الله من تبيين للأحكام، ومن نُصح للناس، ولا يكتفوا بمذهب "يا للان يا للالّي" الذي ألفوه واستمرأوا العيش تحت ظلّه، وفي غضب الله ومقته. ومما يؤثر عن الإمام أحمد رضي الله عنه في هذا الباب، قوله: "إذا سكت الجاهل لجهله، وأمسك العالم تقية، فمتى تقوم لله حجة؟". وإنّ عِلْم الأحكام، ما كان قطّ يُطلب لنيل المكانة عند السلاطين أو عند العامة؛ بل للعمل به في النفس، ولدلالة الناس على العمل به. وعلم بلا عمل، كمال بلا بركة، يوشك أن يهلك ويترك صاحبه عاريا منه؛ زيادة على ما يجلبه عليه من محاسبة ومن مؤاخذة في الآخرة... 7. ينبغي أن نُشير هنا، إلى أن قرارات الدولة المغربية، عندما رفضت تدخل دول بعينها في ذلك الظرف الحرج، وفي عملية إنقاذٍ لن يُنقذ فيها إلا من شاء الله إنقاذه حصرا، كانت حكيمة جدا، وموفّقة إلى أبعد الحدود. ولقد عمل الجيش المغربي ورجال الأمن ورجال الوقاية المدنية وسائر القوات، مع عموم الشعب الذي برهن على وحدته بما لا يدع مجالا لرهان المـُراهنين، بما أغنى الناس بفضل الله عن كل معونة خارجية مشبوهة. فلله درّ المنجدين، وبارك الله فيهم وفي أعمالهم!... 8. إن فرنسا أبانت عن عداء شديد للمغرب، عندما تجاوز رئيسها ملك البلاد مخاطبا الشعب المغربي بما لا يكاد يُصدّقه أحد. وإن المغاربة قد أبانوا في المقابل عن وعي شديد بالمكائد المدبرة، وأفسدوها على أصحابها بأقل التكاليف، وفي أقصر المـُدَد. وأما حكام الجزائر، فإنهم من حيث الإدراك أقل حتى من الفرنسيّين، لأنهم لا يعلمون أنهم بمعاداتهم للمغرب، يُعادون أنفسهم. وكفى بهذا جهلا وللبصيرة انطماسا!... وعلى الشعوب المغاربية أن تتعلم منذ الآن، كيف تفكّر لنفسها، وتنظر فيما يصلح لها؛ لأن الحكام لا يكونون دائما موفّقين، أو قد لا يكونون أحرارا عن تحكّم خارجيّ مـُغرض... 9. إن ملك المغرب باتخاذه التدابير اللازمة من أجل التكفّل باليتامى، ومن أجل إعادة بناء البيوت المهدمة، قد عمل بما تُمليه الشريعة الإسلامية، وقطع الطريق على الأشرار المتاجرين بآلام الناس. هذا، وإننا سنعمل قريبا بإذن الله، على إصدار رسالة صغيرة (مقترح) فيما يتعلّق بالمال العام وطريقة توزيعه في الدولة الإسلامية، بما سيؤسِّس لتجديد شطر من أحكام الاقتصاد الوطني؛ على أن يُكمل الفقهاء المتخصصون باقي الجوانب إن هم رغبوا في إعانتنا على هذه الأعباء الثقيلة. وغرضنا من هذه الرسالة، هو رفع الحرج عن رؤساء الدول الإسلامية فيما يأخذونه من مخصَّصات، ونفعُ عموم الشعوب نفعا دلت عليه الأحكام الشرعية عندنا، من أجل تجنيب جميع الأطراف الضرر والضرار. وهذا، لأن التمزق بين ما هو إسلامي وما هو ذو أصل كفري، قد أنهك الناس وحال دون هناء عيشهم في الدنيا. بل لقد جعل كثيرا من القاصرين يظنّون أن الشريعة لا تتمكن من مسايرة مختلف الأعصر والأزمنة، وتعجز عن إيجاد الحلول لمشكلات العصر ومستجدّات النوازل؛ تنزّه شرع الله عما يقول الظالمون!... وفي الختام، نسأل الله تعالى أن يحفظ ملك البلاد، وأن يُصلح وليّ عهد المملكة، وأن يوفّق علماء المغرب لما يرضيه عنهم، وأن يجمع المغاربة على قلب رجل واحد، وأن يعود بهم إلى الأصالة المعهودة فيهم، في يُسر ولطف وعافية. رحم الله موتى المغاربة والمسلمين، وآجر ذويهم وأبدلهم في مصائبهم خيرا، وغفر لنا جميعا، إنه هو الغفور الرحيم. والحمد لله رب العالمين... |