انتهاء الاعتصام بعد
1255
يــــــوم
بسم الله الرحمن الرحيم. يُنهي شيخ الطريقة العمرية عبد الغني العمري الحسني، إلى علم الرأي العام، ومن بعده إلى علم أتباع الطريقة العمرية في أنحاء العالم، أنه: 1. قد عزم على إيقاف اعتصامه مع عائلته داخل بيته نهاية يوم الثلاثاء 15-5-2018م، بمناسبة حلول شهر رمضان الكريم لعام 1439ه. وللإشارة، فإن هذا الاعتصام قد بدأ يوم الاثنين 8-12-2014م، واستمر طيلة 1255 يوم. 2. سيغادر مدينة جرادة التي كانت محل اضطهاده وعائلته من طرف السلطات المحلية والأجهزة الأمنية، مع توظيف الأوباش والسفهاء من أهل المدينة في هذا العمل الشنيع. وسيكون مقر الشيخ المقبل إن شاء الله بمدينة سلا، مرفوقا بجميع أفراد عائلته. حرر بجرادة ليلة الأربعاء: 16-5-2018م. شيخ الطريقة العمرية: عبد الغني العمري الحسني
Translated
Sheikh's Books |
2020/11/09
رد على بيان شيخ الأزهر
لقد أقدم وزير خارجية فرنسا، على زيارة شيخ الأزهر في القاهرة، يوم الأحد الثامن من نوفمبر 2020م؛ في نطاق زيارته لدول شمال إفريقيا، من أجل التخفيف من أثر التوتُّر بين فرنسا والمسلمين، عقب الأحداث الإرهابية التي وقعت على ترابها مؤخرا. ولقد وجدنا عبارات على صفحة الأزهر في الفيسبوك، تُنسب إلى شيخ الأزهر، في أثناء ردوده على الوزير؛ نحب أن نتناولها بالتحليل، عملا منا على تصحيح مفاهيمها، وردا لها إلى ما نعلمه نحن من أصول ديننا.. ولكن قبل ذلك، نبغي أن نضع الزيارة في إطارها الصحيح؛ تسهيلا لما قد سيأتي. ولسنا نريد من قولنا، إلا أن الوزير الفرنسي عند زيارته لمشيخة الأزهر، هو لا يفهم من ذلك إلا أنه سيزور بابا المسلمين؛ مع العلم أن المسلمين ليس لهم بابا ولا حاخام أكبر، بالمعنى الذي للكتابيّين. وهذا الذي نقوله، لا يعني أن الأمة، ليس فيها من يقوم لله، في منصب الخلافة "العلمية" عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ ولكن يعني أن الأمة هي من زاغت عن الطريق، واتخذت لنفسها "بابا" على غرار الكتابيّين. ويعضدنا فيما نذهب إليه قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «لَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ شِبْرًا شِبْرًا، وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ تَبِعْتُمُوهُمْ، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الْيَهُودُ، وَالنَّصَارَى؟ قَالَ: فَمَنْ!»[متفق عليه، عن أبي سعيد الخدري]. وإن اتخاذ المسلمين "بابا"، هو من اتباع سنن الكتابيّين، كما أسلفنا؛ وسيأتي ضمن الكلام تأكيد ذلك. وأما دلالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم على خليفته في العلم، من كل زمان، فهو قوله عليه السلام: «إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ الثَّقَلَيْنِ، أَحَدُهُمَا أَكْبَرُ مِنَ الْآخَرِ: كِتَابُ اللَّهِ حَبْلٌ مَمْدُودٌ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ، وَعِتْرَتِي أَهْلُ بَيْتِي؛ وَإِنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ.»[أخرجه أحمد عن أبي سعيد الخدري]. والشخص المقصود من العترة الشريفة، هو من يعدل القرآن في القيمة؛ وليس إلا النسخة القرآنية الآدمية في الزمان. وسنبيّن بالدليل أن شيخ الأزهر، ليست له هذه المرتبة، مما سنتناوله من كلامه. وإن كان للأمة الإسلامية، قرآن وعترة (تتلخص في واحد)؛ فهذا لا يعني أن تكون لها كنيسة (بمعنى المكان)، يُشرف عليها إكليروس أو ما يُشبهه، وتعتمد في دينها وتديُّنها كتبا من التراث، تجمع الغث والسمين؛ وتُدرّس لـ "رجال الدين"، ضمن مناهج دراسية، لا تزيد العبد من ربه إلا بعدا!... ولسنا هنا نخاطب العامة، الذين صُنعوا على الطريقة المذكورة، لأنهم على دين محرف وإن زُعم لهم أنه "السنّة" بحذافيرها؛ ولكننا نخاطب الأَلِبّاء من حملة العلم، لعلهم يعثرون ضمن كلامنا، على آثار تدل على الدين الحق، كما تركه صاحبه صلى الله عليه وآله وسلم. ولنتناول الآن عبارات شيخ الأزهر، واحدة واحدة: 1. يقول شيخ الأزهر في مخاطبته لوزير الخارجية الفرنسي: "إذا كنتم تعتبرون أن الإساءة لنبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- حرية تعبير، فنحن نرفضها شكلًا ومضمونًا.": ونحن نقول لشيخ الأزهر، خطابك هذا سياسي غير شرعي. وأنت بفعلك هذا، تقرّ أن الأزهر مؤسسة رسمية، من جملة مؤسسات الدولة المصرية. وأما السياسة، فلها رجالها، وأنت لست منهم!... ونعني من هذا، أن غير السياسي عندما يتكلم في السياسة، يكون ضرره على نفسه وعلى غيره، أكبر من نفعه. وإن هذا بعينه، هو ما وقعت فيه الجماعات الإسلامية الحركية، التي دمرت بلدانها، وتسعى الآن إلى تدمير العالم. وأما الشرع، فإنه لا يُلزم السامع لما يُعَدّ استهزاء بالله ورسوله، بأكثر من المـُزايَلَة. يقول الله تعالى: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا} [النساء: 140]. والمعنى، هو أن المؤمن غير مـُكلَّف برد الكافر عن كفره؛ لأن هذا بيد الله لا بيده. بل هو مكلّف بعدم مشاركة الكافر كفره، عند نطقه به؛ من باب: "السامع شريك المتكلِّم.". وعلى هذا، فإنكم لو كنتم تعقلون عن الله في كلامه، لدللتم التلاميذ المسلمين على مغادرة حجرة الدرس، عند عرض الأستاذ لما صار يُعرف بـ "الرسوم المسيئة"؛ فحسب. ولا شيء عليهم أن يعودوا إلى الحجرة، وإلى الأستاذ بعد ذلك، من أجل متابعة باقي الدروس، وكأن شيئا لم يكن. ولقد كان الأستاذ المقتول ظلما (صموئيل باتي) أفقه منكم، عندما دعا التلاميذ المسلمين، إلى الخروج من الفصل. ولكن الجهل الذي تبثّونه أنتم وأمثالكم في الأمة، أعمى الناس عن أحكام الشريعة، وجعلهم يتعدّون حدود ما أنزل الله بالفعل، بعد أن تعديتموها بالقول. وأما الحكم الثاني المستنبط من الآية، فهو كفر من بقي مجالسا للكفار، عند نطقهم بالكفر المتضمن للاستهزاء. وهذا بخلاف ما دل عليه بعض جهلة المتفقهة من مسلمي فرنسا، عند إفتائهم للتلاميذ بقبول ما يُسمى "حرية التعبير"، بالمعنى المراد للشياطين. ويتفرع عن هذا الكفر، كفر كل من يقبل الاستهزاء بآيات الله، التي على رأسها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، حيثما كان من الأرض، ومهما كان منصبه. نقول هذا، لأن كثيرا من سياسيينا، يظنون أنهم غير ملزمين بالأحكام الشرعية، عند مخالطتهم لحكام الكافرين. وأما فرنسا، فلا شأن لشيخ الأزهر بها، لأنها لا تتبع له في شيء؛ ولقد كان يكفيه الإعراض عن خطابها كله؛ بعد تبيين الأحكام للمسلمين الفرنسيّين وحدهم. وهذا هو ما سماه الله إعراضا في مثل قوله سبحانه: {اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ . وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ . وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام: 106 - 108]؛ أو قوله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199]؛ أو في قوله سبحانه لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم، ولمن كان على قدمه منا: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ . إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ . الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ . وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ . فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ . وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر: 94 - 99]. ونحن لم نر شيخ الأزهر عمل بما دل عليه القرآن، وكأنه واحد من العوام؛ ينساق خلف كلام المتحمّسين، ويتبع فتوى الإسلاميّين السياسيّين!... 2. ثم يقول: "الإساءة لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم مرفوضة تمامًا، وسوف نتتبع من يُسئ لنبينا الأكرم في المحاكم الدولية، حتى لو قضينا عمرنا كله نفعل ذلك الأمر فقط.": وهذا جهل، متفرع عن الجهل الأول! لأنه لو كان يؤمن بقول الله تعالى: {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ} [الحجر: 95]، لعلم أن الله هو من تصدّى لمن يستهزئ برسوله، قبل أن يكلّف عباده بمناصرته عليه السلام. وأما إن كان شيخ الأزهر، يعتبر كلامه مناصرة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، فإننا نُخبره أنه اعتمد ما يُسمى "الإزاحة" في فعله هذا؛ لأن مناصرته عليه السلام تكون بإعلاء دينه وسنته في أمته التي زاغت عن السبيل، قبل غيرها. وإن إلحاحه، كان ينبغي أن يكون على الدولة المصرية وأجهزتها؛ لا على فرنسا، التي تُلزم نفسها بحقوق الإنسان (ولو جزئيا)، كما تعلمها. وما كنا نظن، أن خطاب شيخ الأزهر لو كان موجها إلى وزير الداخلية المصري، سيبقى على النبرة ذاتها، وعلى الوضوح ذاته. ولنا في سابق كلامه -في حضرة الحكام أو في حضرة خدمهم- دليل على ما نقول. ولا بد أن نخبر شيخ الأزهر، إذا هو قضى عمره أمام المحاكم الدولية، مدافعا -بحسب زعمه- عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ أن عمره سيذهب هدرا؛ لسببيْن: الأول: لأنه يحتكم إلى غير ما أنزل الله، بغير علم ولا إذن. نقول هذا، حتى لا يقيس حاله على حال المهاجرين الأُول إلى الحبشة، الذين كانوا مبعوثين من قِبل النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ومؤيَّدين بمدده. الثاني: لأن ما سيفعله، خارج عن المنطق الشرعي. وهو إن كان يظن أنه سيُلزم القُضاة بـ "احترام الأديان كلها"؛ فإن هذا سيكون منه التسوية بين الدين الحق والأديان الباطلة، من جهة؛ وهو كفر؛ ويكون إلزاما لفرنسا اللائكية، بما ليس من قوانينها؛ وهذا جهل من جهة أخرى؛ خصوصا وأن الشيخ الطّيب ينبغي أن يكون عارفا بهذا، وهو مَن أنهى دراسته هناك. وفي ختام هذه الفقرة نقول: إن كلام الشيخ شعبوية دينية، على غرار الشعبوية السياسية؛ مع الفارق بين عالم الدين ورجل السياسة، من كون الأول لا ينبغي أن يخاف على صورته عند الناس، بعكس الثاني الحريص عليها. 3. ثم يقول: "أوروبا مدينة لنبينا محمد ولديننا، لـما أدخله هذا الدين من نور للبشرية جمعاء.": فنقول: إن الشيخ هنا يخرج عن المنطق في المناظرة؛ لأن المعلوم عند علماء الجدل، أن لا يُلزَم المـُناظَر إلا بما يُلزِم به هو نفسَه؛ وإلا انحل الخطاب، واتسعت دائرته على المتناظريْن. فلا يبقى من معنى لكلام الشيخ، إلا أنه من التسوُّل المقيت، الذي ينتهجه مَن يزعمون أنهم يدافعون عن الدين، إذا هم كانوا في حضرة الجبابرة من المتحكمين في العالم. ولقد كان حريا بالشيخ، أن يُقدّم الدين، لضيفه، في حلته الأصلية، ليبلّغه دعوة الإسلام فحسب؛ لا ليستصدر منه مناصرة نحن في غنى عنها. ويكفي لندل على عدم جدوى كلام الشيخ، التأكيد على انبهام عبارة "أوروبا مدينة..." وعلى انبهام لفظ "نور" في ذهن السامع. وهذا خطاب لا يليق، بمن يُقدِّم نفسه (بعد أن قدّمه الناس) على أنه إمام المسلمين!... فهل يكون إمام المسلمين، أو شيخهم الأكبر -كما يحلو للمصريين أن يلقبوه عصبيّة- أن يكون على مثل هذا الجهل؟... ومع من؟ في مواجهة الطرف الآخر (أئمة الكافرين)؟!... هذا لا يكون البتة!... 4. ثم يقول: "نرفض وصف الإرهاب بالإسلامي، وليس لدينا وقت ولا رفاهية الدخول في مصطلحات لا شأن لنا بها، وعلى الجميع وقف هذا المصطلح فورًا؛ لأنه يجرح مشاعر المسلمين في العالم، وهو مصطلح ينافي الحقيقة التي يعلمها الجميع.": أما وصف الإرهاب بالإسلامي، فهو صحيح؛ لأن الإرهابيين من المسلمين، ينظرون إلى الكفار نظرة عنصرية، غير شرعية. وأنتم -نعني الفقهاء- هم من رسّخ في أذهانهم هذه المعاملة؛ والدليل، هو منافحتكم عنهم بهذا الكلام. ولقد كان يجدر بك، أن تنبه إلى أن الإسلام -لا المسلمين- هو الذي ليس إرهابيا بالمعنى المقصود اليوم؛ وإن كان إرهابيا بالمعنى الشرعي المذكور في قول الله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ} [الأنفال: 60]. ولا بد هنا من أن نذكر أن الإرهاب في الآية، هو بمعنى "الردع العسكري" اليوم، لا بمعنى آخر. وهذا يعني أن كلامك مغالطة للرجل ولمن وراءه؛ والمغالطة لا تقع من عالم، معتبر العلم. وأما إيذاء المسلمين، فما كان ينبغي أن يُعبّر عنه بـ "جرح مشاعر المسلمين"؛ لأن المسلمين ليسوا عذارى في خدورهن؛ ولكن هم رجال -في الأصل- يُحسب لهم الحساب. وقولك: "وهو مصطلح ينافي الحقيقة التي يعلمها الجميع" لا يصدق، وهو من أركان المغالطة التي اعتمدتها. 5. ثم يقول: "حديثي بعيد عن الدبلوماسية حينما يأتي الحديث عن الإسلام ونبيه، صلوات الله وسلامه عليه.": وقولك هذا، إن لم تكن فيه كاذبا، فأنت جاهل؛ ولن تكون ثالثا. وقد ذكرنا لك من البداية أن كلامك سياسي غير شرعي. وإن كنت تخادع نفسك، بظهورك لها في ثوب أبطال الإسلام؛ فأنت بعيد عما تروم. ولقد سلكت من أجل ذلك سبيلا غير السبيل. 6. ثم يقول: "تصريح وزير الخارجية الفرنسي في غضون الأزمة كان محل احترام وتقدير منا، وكان بمثابة صوت العقل والحكمة الذي نشجعه.": هذا القول يؤكد أن الكلام بينك وبين ضيفك كان سياسيا؛ لأن رد الضيف لن يكون إلا سياسيا ديبلوماسيا، وهو وزير خارجية بلده. فلا أنت المـُخاطِب المؤتمن، ولا هو المخاطَب الأمين. وأما "صوت العقل"، فنحن على يقين أنه كان غائبا في الجلسة. ولو كنتما تلتزمان به، لاخترتما لمناظرتكما من يصلح لها من الجانبيْن!... وهذا ما لم يحدث من قِبلكما كليكما. 7. ثم يقول: "المسلمون حول العالم (حكامًا ومحكومين) رافضون للإرهاب الذي يتصرف باسم الدين، ويؤكدون على براءة الإسلام ونبيه من أي إرهاب.": كلامك هذا، نقضناه آنفا؛ ونزيد هنا بأن شطرا من المسلمين إرهابيون، بسبب توجيهاتكم الخاطئة لهم؛ وبأن جُل الحكام المسلمين رعاة للإرهاب في بلدانهم قبل غيرها؛ وأنت هنا تنافق الفريقيْن، بما لا يليق. ألم يكن أنور السادات وهو أقرب إليك من حكام الدول الأخرى، هو من استعمل جماعة الإخوان ضد اليساريّين؟!... ألم يُوظَّف السلفيّون في عهد السيسي لديكم، للإطاحة بالإخوان؟!... ثم إذا قام الإخوان والسلفيّون بأعمال إرهابية في مصر أو في العالم، تخرجون إلينا لتبرئوا الحكام والمحكومين!... ما هذا الإخلال بالعقل وبالدين، يا شيخ الأزهر؟... أما النبي صلى الله عليه وآله وسلم -لو كنت تستحي- ما كنت لتذكره في سياق تبرئتك، وهو الغني بالله عنها. فأفق لنفسك، والزم أدبك!... 8. ثم يقول: "الأزهر يمثل صوت ما يقرب من ملياري مسلم، وقلتُ إن الإرهابيين لا يمثلوننا، ولسنا مسؤولين عن أفعالهم، وأعلنتُ ذلك في المحافل الدولية كافة، في باريس ولندن وجنيف والولايات المتحدة وروما ودول آسيا وفي كل مكان، وحينما نقول ذلك لا نقوله اعتذارًا، فالإسلام لا يحتاج إلى اعتذارات.": ا. الأزهر لا يمثل كل المسلمين، وحتى تتأكد: فأنا أحد من لا يمثِّلهم. وهذه الدعوى منك زور، وهي تستند إلى سياسة بلدك، لا إلى سند شرعي معتبر. فحتى لو اعتبرنا الأزهر مؤسسة تعليمية مختلطة (شرعية ودنيوية)، فإن مثيلاتها في العالم الإسلامي سيكُنّ كثيرات؛ فما الذي يُميِّز الأزهر عنها، إلا ما هي عليه نفوسكم من عللها؟! ونحن لا نشك لحظة، أنك عندما تتكلم عن الأزهر، لا ينفك عن ذهنك أنه مصري؛ فهل هذه العصبية من الدين، أم هي من المنهيات فيه؟ وهل إسلام مصر هو الأصل في الإسلام عندك؟... نقول هذا، ونحن لا نوافق أي دولة عربية أو عجمية، تزعم لنفسها الريادة في الدين الآن. ب. من أنت في الدين، لتقول: "أعلنتُ"؟ فهل تكون مبلِّغا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بإذنه، كما كان عليّ عليه السلام، يوم تبليغ سورة براءة؟!... أفق لنفسك يا مسكين، واسأل الله الإقالة!... ج. وما هي باريس ولندن وواشنطن وجنيف، حتى تؤيّد بها كلامك؟ أهي من المشاعر (جمع مشعر) لدى المسلمين؟... نقول هذا، ونحن نعلم أنها اليوم، وفي زمن الغفلة، من عواصم الإسلام السياسي؛ الذي ذهب يُفرخ هناك، بعد أن عجز عن إنبات أيديولوجيته في أرض الإسلام الأصلية. د. أنت تذكر أنك لا تعتذر، بينما أنت من البداية لا تفعل إلا ذلك. فهل كنت تغالط نفسك؟ أم الضيف؟ أم أنتما معا؟... وأما قولك إن الإسلام لا يحتاج اعتذارات، فهو كلام في الهواء، لا قيمة له عندنا، بله أن يكون له قيمة عند سامعك. ببساطة، لأن الأمة التي تزعم أنك تمثلها، هي في غاية الضعف، بحيث لا يمكنها أن تعيش على وجه الأرض الآن إلا وهي مرتدية ثوب الذل والمهانة. أم إنك ستنكر قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «يُوشِكُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ الْأُمَمُ مِنْ كُلِّ أُفُقٍ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ عَلَى قَصْعَتِهَا؛ قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَمِنْ قِلَّةٍ بِنَا يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ، وَلَكِنْ تَكُونُونَ غُثَاءً كَغُثَاءِ السَّيْلِ، يَنْتَزِعُ الْمَهَابَةَ مِنْ قُلُوبِ عَدُوِّكُمْ، وَيَجْعَلُ فِي قُلُوبِكُمْ الْوَهْنَ. قَالَ: قُلْنَا: وَمَا الْوَهْنُ؟ قَالَ: " حُبُّ الْحَيَاةِ، وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ!»[أخرجه أحمد عن ثوبان]؟ أم تظن أن الحديث لا ينطبق على زماننا؟!... 9. ثم يقول: "وددنا أن يكون المسؤولون في أوروبا على وعي بأن ما يحدث لا يمثل الإسلام والمسلمين؛ خاصة أن من يدفع ثمن هذا الإرهاب هم المسلمون أكثر من غيرهم.": أليس هذا اعتذارا؟!... بل نحن نراه توسُّلا وتذللا في الطلب!... ولمَ يا ترى يدفع المسلمون الثمن؟ أليس لأنهم مخالفون لسنة نبيِّهم صلى الله عليه وآله وسلم؟... فلقد كان يجدر بك أن تدل أمتك على أسباب عزها، لا أن تدل الوزير الفرنسي، ومِن ورائه المسؤولين الأوروبيين على ما يُليِّن قلوبهم علينا؛ وكأننا أمة من العبيد لديهم؟!... إنا لله وإنا إليه راجعون! 10. ثم يقول: "أنا أول المحتجين على حرية التعبير إذا ما أساءت هذه الحرية لأي دين من الأديان وليس الإسلام فقط.": إذا لم تكن تعلم، فإن هذا الخطاب دجالي، يعتمده القائلون بوحدة الأديان. ورغم علمي بأنك لست منهم، إلا أن جهلك يأخذك، حيث لا تأمن على نفسك الضلال المبين!... وأما مبدأ "حرية التعبير" فهو مبدأ دجالي أيضا، يستغفل به أصحابه ناقصي العقل والدين. وبما أنك قد ذكرت آنفا أنك لست ملزما بمصطلح "الإرهاب"، فلقد كان ينبغي أن تبقى ثابتا، وترفض مصطلح "حرية التعبير"؛ ولكنك تدخل في الكلام وتخرج، على غير بينة!... لا يجوز لك أن تسوي بين الدين الحق، وأديان الكفر؛ لأنك بتسويتك هذه تكفر. نعم، نحن نعلم أنك لا تعلم تبعات ما تنطق به؛ ونحن هنا ننبهك ولا نكفرك؛ فأعنّا على نفسك بقبول ما نقول من الحق. ولقد وقع في هذه الآفة، كثيرون من علماء المسلمين، قبل سياسييهم؛ ولكن الباطل يبقى باطلا، وإن أجمع عليه الثقلان!... فعد -يرحمك الله- إلى الوحي وأنت أهل له، ولا تكن ممن يشهد عليهم الوحي بمخالفته!... وتب إلى الله من قولك "وليس الإسلام فقط"، لأننا نجده ممجوجا، لا تستسيغه نفس تؤمن بالله واليوم الآخر!... 11. ثم يقول: "أنا وهذه العمامة الأزهرية حملنا الورود في ساحة باتاكلان وأعلنا رفضنا لأي إرهاب.": هذا القول منك، يشهد لما ذكرناه من كونك يُنظر إليك على أنك بابا المسلمين. لكن المصيبة، هي أن تصير أنت نفسك ناظرا إلى نفسك كذلك. والمطابقة تامة: أنت تقابل شخص البابا، وطيلسان البابا يقابل عمامتك. أليس هذا دليلا منك على ضلالك؟!... 12. ثم يقول: "إن التجاوزات موجودة عند أتباع كل دين وفي شتى الأنظمة، فإذا قلنا إن المسيحية ليست مسؤولة عن حادث نيوزيلندا؛ فيجب أن نقول أيضًا إن الإسلام غير مسؤول عن إرهاب من يقاتلون باسمه، أنا لا أقبل أبدًا أن يُتهم الإسلام بالإرهاب.": ما زلت تصر على تسوية الإسلام بغيره، ونحن قد رددنا على ذلك آنفا؛ فلا داعي إلى التكرار. 13. ثم يقول: "نحن هنا في الأزهر قديمًا وحديثًا نواجه الإرهاب فكرًا وتعليمًا، ووضعنا مقررات ومناهج جديدة تبين للجميع أن الإرهابيين مجرمون وأن الإسلام بريء من تصرفاتهم.": نحن لا نشك أن شطرا مما يُدرَّسُ في الأزهر، هو من الفقه المعتمد لدى الإرهابيين. ثم، هل عندما وضعتم المناهج الجديدة كانت موافقة للشرع عند نبذها للإرهاب؟ أم هي موافقة للمذهب الدجالي، الذي صار ينتشر في الأمة، انتشار النار في الهشيم؟... ونغتنم هنا هذه الفرصة، لندعوك وندعو الأزاهرة أجمعين، إلى تجديد شامل للدين. فإن كنتم حريصين على العلم وعلى العلماء، فلا أقل من أن تعتبروا ما جاء في كتبنا، لنعلم أنكم صادقون؛ وأما إن كنتم متجاهلين لخطابنا، كفقهاء بلدنا، فهذا يدل على أن آخر ما تأبهون له هو الدين. 14. ثم يقول: "محمد ﷺ رحمة لنا ولكم، وهو نور أبدي بعثه الله للبشرية.": أنا على يقين من أنك لا تعلم معنى عبارتك؛ وتظن أن التلفُّظ بذلك في محضر رجل غير مسلم، يجعلك في مستواها؛ وهيهات!... إذا كنت يا أخي لم تستطع أن تُرشد أمتك، التي لا تخالفك المعتقد، أفستكون مـُرشدا لغيرها؟!... عد إلى نفسك، وإلى مَن حولك؛ ولا تعش في عالم الخيال!... 15. ثم يقول: "هل من الحكمة المغامرة بمشاعر ملايين البشر من أجل ورقة مسيئة.. لا أستطيع أن أتفهم أي حرية هذه ؟!": أنت تبني كلامك على باطل هنا؛ لأن المعتبر عندنا في ديننا، ليس العدد؛ ولكن صدق الإيمان. ولعلك تعلم قول سيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "الْجَمَاعَةُ مَا وَافَقَ طَاعَةَ اللَّهِ، وَإِنْ كُنْتَ وَحْدَكَ!". زد على هذا، أن عموم المسلمين اليوم، ليسوا على الحق التام؛ فكيف تُعتبر أعدادهم؟! ثم إن المسألة، لا تتعلق بالمشاعر؛ بل بالحق والباطل. ونرجو أن تعيدوا النظر في الكلمات التي تستعملونها، فقد يظن من يسمعها منكم أنها مصطلحات قرآنية أو سنية؛ وهي من قاموس آخر مختلف. 16. ثم يقول: "صدري متسع للحوار والعمل معكم ومع الجميع؛ ولكني أقول: إن الإساءة لمحمد ﷺ مرفوضة تمامًا.": نحن نؤكد لك -على علمنا بتخصصك- أنك غير مؤهل من الناحية العلمية، لمحاورة الأمم الأخرى. فلا تتعب نفسك فيما لن تناله، ولا بعضا منه!... وإياك أن تظن أننا نقول لك هذا، تعاليا عليك، أو ترشيحا لأنفسنا؛ فنحن بحمد الله لا نبالي أسمع منا الناس أم لم يسمعوا. ولكننا مع هذا، نفعل ما بوسعنا، لتصحيح ما اعوجّ في أمتنا، بإذن من الله ورسوله. 17. ثم يقول: "إن الناس لن تُمسك بالقواميس حتى تتحقق عن (من) فروق بين المصطلحات ومعانيها، المصطلحات التي تستعملونها تجرح المسلمين جميعًا، وهي عمل غير إنساني ولا يتفق مع الحضارة.": كلامك هذا، ينبغي أن تعمل به أنت أولا، قبل أن تدل عليه غيرك؛ وهو صحيح على كل حال. 18. ثم يقول: "نحن مستعدون للتعاون معكم، من أجل تصحيح المفاهيم المغلوطة عن الإسلام ومحاربة الفكر المتطرف داخل فرنسا وأوروبا": يقول المثل الشائع: "فاقد الشيء لا يؤتيه!"؛ وأنت -وأمثالك- لم تتمكن من تصحيح المفاهيم المغلوطة لإخوانك من المسلمين، فكيف تزعم أنك تستطيع ذلك للناس أجمعين؟!... فنحن لا نرى هذا "التعاون" بينك وبين الأوروبيين، إلا باب فتنة تفتحه على نفسك؛ لا نأمن عليك معه، أن تفقد دينك. ألم تسمع إلى قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ الرَّجُلَ لَيَقُولُ الْكَلِمَةَ وَمَا يُلْقِي لَهَا بَالًا، فَيَقُولُ اللَّهُ: أَسْخَطَنِي عَبْدِي! وَيُكْتَبُ بِهَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ؛ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَقُولُ الْكَلِمَةَ، وَمَا يُلْقِي لَهَا بَالًا، فَيَقُولُ اللَّهُ: أَرْضَانِي عَبْدِي! فَيُكْتَبُ بِهَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ.»[الجامع في الحديث لابن وهب، عن عبد الله بن عمرو بن العاص]. نسأل الله لنا ولك الحفظ من الزلل... 19. ثم يقول: "نحن على استعدادٍ لتقديم منصة خاصة للتعريف بالإسلام وأحكامه الصحيحة لنشر الوسطية والاعتدال والتسامح الإسلامي.": إن فعلتم ذلك، فلن تكون المنصة إلا توسيعا لجهلكم، وعملا على بث الحيرة لدى المسلمين؛ لأنكم لا تعلمون من الدين وسطا ولا طرفا؛ وإنما يُهيَّأ لكم. وإن أفضل ما يمكن أن تنفعوا به الأمة، هو أن تعيدوا النظر في كل علمكم؛ أو أن تتركوا الأمة وشأنها؛ فإنه أنفع لها ولكم!... وفي الختام، فنحن نرجو أن يكون السامع لنا منكم إيمانكم، لا نفسكم؛ لأن الدين أمره لا يُؤخذ بالتساهل، ولا بتقديم العوام وانتصارهم. وظننا بكم، أنكم أهل لما خاطبناكم به من الحق، وأوسع صدرا من غيركم لسماعه. ونحن نقدم بين يدي رسالتنا لكم، قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ! قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ: لِلَّهِ، وَلِكِتَابِهِ، وَلِرَسُولِهِ، وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَعَامَّتِهِمْ.»[أخرجه مسلم، عن تميم الداري]. ولسنا عند مخاطبتكم، بنابذي حسن الظن فيكم؛ ولا باليائسين من عودتكم إلى الحق، إذا انجلى لكم. فأنتم عندنا أجل من هذا. وفي ختام الختام، نسأل الله المغفرة لنا ولكم، وأن يجعلنا من الخادمين لهذه الأمة الشريفة، بإخلاص وتجرد؛ بجاه من توجه به آدم إلى ربه في معصيته، فغُفرت له؛ محمد سيد الأولين والآخرين، صلى الله عليه وآله وصحبه وتابعيه بإحسان، وسلم تسليما كثيرا يُرضيه، ويرضى به عنا. آمين. |