انتهاء الاعتصام بعد
1255
يــــــوم
بسم الله الرحمن الرحيم. يُنهي شيخ الطريقة العمرية عبد الغني العمري الحسني، إلى علم الرأي العام، ومن بعده إلى علم أتباع الطريقة العمرية في أنحاء العالم، أنه: 1. قد عزم على إيقاف اعتصامه مع عائلته داخل بيته نهاية يوم الثلاثاء 15-5-2018م، بمناسبة حلول شهر رمضان الكريم لعام 1439ه. وللإشارة، فإن هذا الاعتصام قد بدأ يوم الاثنين 8-12-2014م، واستمر طيلة 1255 يوم. 2. سيغادر مدينة جرادة التي كانت محل اضطهاده وعائلته من طرف السلطات المحلية والأجهزة الأمنية، مع توظيف الأوباش والسفهاء من أهل المدينة في هذا العمل الشنيع. وسيكون مقر الشيخ المقبل إن شاء الله بمدينة سلا، مرفوقا بجميع أفراد عائلته. حرر بجرادة ليلة الأربعاء: 16-5-2018م. شيخ الطريقة العمرية: عبد الغني العمري الحسني
Translated
Sheikh's Books |
2022/06/15
حتى لا تكرر جماعة العدل والإحسان أخطاءها ـ2ـ
(تابع...) 2. نتائج أخطاء عبد السلام ياسين: بما أن المنهج الذي اعتمده الأستاذ عبد السلام كان منهجا تلفيقيا، وأن صاحبه قد توسل أسلوب الخطابة في إقناع من لا خبرة لهم بدين ولا بعقل؛ فإن نتائج العمل به ستكون وخيمة على الفرد وعلى الجماعة (المجتمع)، من غير شك. ولقد كنا بحمد الله نعرف انحراف جماعة العدل والإحسان منذ انطلاقتها، وخصوصا بعد لقائنا لشخص المرشد رحمه الله في سنة إحدى وثمانين على ما نذكر. ثم ما لبثنا أن تتبعنا أحوال من كنا نعرفهم من أتباعها، فاتضح لنا جليا أن القوم أصحاب أيديولوجيا، يخلطون بها أمورا يحسبونها من خصوصيات الطريق إلى الله. وإن أهم ما يمكننا القول عن أتباع جماعة عبد السلام ياسين منذ إنشائها، هو أنهم خليط غير متجانس؛ يضم متسلفة إلى جانب متصوفة، على حسب ما يحلو لكل واحد أن يظن فيها وفي مشروعها. وعدم التجانس هذا، سيعمل على انشطار الجماعة في كل مرة، بحسب الظروف العامة والخاصة... و لقد عمد العدليون إلى تقمص مظاهر ظنوا أنها من تبعات تصوف مرشدهم، بينما هي لا تتجاوز أن تكون شبيهة بما يتقمصه عوام المتصوفة مما يظنونه خصوصية. ولهذا فقد اعتنى العدليون -بإيعاز من مرشدهم- بالرؤى عناية كبيرة، من غير أن يمتلكوا المعايير الشرعية والمعايير العلمية التربوية للأخذ بها. ولعل جميع المغاربة يذكرون سنة 2006م، التي ضج العدليون فيها بما جزموا أنه سيكون إعلانا للخلافة من غير أدنى شك. ولقد صرحوا بذلك، وجعلوه دليلا على صدق طريقهم، في مجازفة لا يُقدم عليها إلا المتهورون. وإن وقوع عبد السلام ياسين تحت تأثير أتباعه في هذا المجال (إن لم يكن التأثُّر بالشيطان مباشرة)، لهو أكبر دليل على عدم أهليته لتربية غيره. وذلك لأن المربي ينبغي أن يكون حصنا لأصحابه: يقيهم الوقوع في تلبيسات الشيطان، ويردهم بنوره إلى صراط الرحمن. والغريب، هو أنه بعد سنة 2006، التي مرت سحابا خُلَّباً، وتيقن الجميع من كذب الرؤى التي كان يُقال بتواترها، لم يقم أحد في المجتمع المغربي، ليرد الجماعة الحالمة إلى الواقع الذي تفر منه؛ ولا حتى المخزن الذي كان من مصلحته في الظاهر، الإجهاز عليها بعد قيام الدليل على ضلالها. وهذا يجعلنا ننظر إلى تصرف المخزن (ونحن دائما نفرق بين المخزن والملك) نظر الريبة: فلعله كان قد وجد طريقة لابتزاز الجماعة حينها، لا نعلم نحن تفاصيلها ونتائجها فيما تلا من الأيام... ا. اعتداد أتباع الجماعة بأنفسهم: لقد وجدنا أتباع عبد السلام ياسين، يعاملون غيرهم من المسلمين بتعال لا يخفى، وكأنهم على الحق المبين المنتج لكبرى درجات اليقين؛ بينما لم يكونوا إلا على ظن، يمعن بعضهم في تأكيده لدى البعض الآخر من قبيل تبادل الخدمات، وبحسب الحاجة، مع أن معظمهم لم يكونوا يجاوزون مرتبة الإسلام. بل إن عبد السلام ياسين، كان يرى نفسه إمام الأمة (بدءا من المغرب)، ينتظر أن يلتحق به كل أهل الدين؛ مع أنه لم يُبن حتى عن خصوصية عوام أهل الطريق. وبالإضافة إلى جمعه بين المتسلفة والمتصوفة الذي ذكرناه، فإنه زاد بالتودد إلى اليساريين والشيوعيين، الذين لا يلتقون معه على دين، والذين تفتق ذهنه عن تسمية تخصهم في معجمه هي: الفضلاء. فالفضلاء عند عبد السلام ياسين، هم اللادينيون الذين يقبلون أن يدخلوا معه في تحالفات وقتية، يراها ضرورية لمشروعه؛ على غرار ما فعله الخميني مع اليساريين في مواجهته لنظام الشاه. ولقد كان مرشد العدل والإحسان يقلد الخميني في كثير من الأمور، من دون أن يُدرك الفرق بين المجتمع الشيعي والمجتمع السني؛ وكانت هذه المسألة واحدة من مقاتل الأستاذ!... لم يكن أتباع العدل والإحسان وحدهم من يعيشون حالة التشبع النفسي (العجب) في شؤونهم، لأننا قد شهدنا ذلك عند كثير من رفقائنا داخل الزاوية البودشيشية. غير أن البودشيشيين، كانوا يجدون في شخص الشيخ حمزة رضي الله عنه، إماما حقا، يفرق بين الحق والباطل من أول نظرة. فلم يكن جهل المريدين ولا اتّباعهم لأهوائهم، ليظهر على السطح، وإن كان في حقيقته متزايدا مع الأيام تحته؛ لأسباب لن ندخل فيها الآن، بسبب خروجها عن الغرض من الرسالة... ومن اعتداد أتباع الجماعة بما هم عليه، لم نكن نلتقيهم إلا وسارعوا إلى دعوتنا إلى مذهبهم وطريقتهم؛ بصفة غير مباشرة في الغالب، ومن دون أن يحسبوا حسابا لقابليتنا لذلك، ونحن من كنا لا نتبع إلا الحق الذي لا شبهة فيه، وبالصرامة الواجبة، منذ البداية!... وعلى قدر ما كنا نجد من إقبالٍ من أهل الجماعة عند الطمع في استتباعنا، كنا نجد من إهمال ونبذ عند بدوّ ما يُيَئِّس منا. وأما نحن، فلم نكن نأبه لإقبال أحد ولا لإدباره؛ حتى داخل جماعة البودشيشيين الذين كنا زمنا منهم، فضلا عمن لم يكن أمرهم يعنينا مباشرة. ولقد كانت آخر مرة عُرض علي فيها اتباع جماعة العدل والإحسان، يوم أن زارني الأستاذ عبادي في بيتي الأول في مدينة سلا؛ وإن كانت دعوته تمت بأسلوب غير مباشر أيضا؛ اعتمد فيها إهدائي نسخة من كتاب "الإحسان" للأستاذ عبد السلام، بجزئيْه. ولقد كانت هذه الحادثة، الدافع لبداية ردي على ما ورد في الكتاب من ضلالات، نشرتها على موقع "العمرية" الذي هو نافذتنا على العالم؛ مع التضييق الذي عشناه لسنوات طويلة في مجتمعنا المغربي. ولقد توقفنا عن إكمال الرد على "الإحسان"، بسبب ضعف المحتوى وتكرار المعلومات في الكتاب. وأما الأستاذ عبادي، فإنه كان حريا به أن يحسب حساب ما قد نحوزه مما هو فوق إدراكه، خصوصا وأننا كنا قد تصدينا لمشيخة التربية قبل ذلك بمدة. وبدل أن يعاملنا الأمين العام معاملة الأنداد، عاملنا معاملة الداعية للمدعو، بما درج عليه في الجماعة. وهذا الأمر، لهو من مواطن الضعف لدى العدليين، عندما لا يُحسنون معاملة الصنوف المختلفة من الناس. وربما قد ساهمت بتواضعي الجم بين يدي الأستاذ -وهو حالي بحمد الله مع كل المخلوقين، فضلا عن أهل الدين، ومن أعلم سبقه لي في مكابدة العبادة والعلم- في خروجه عني بانطباع خاطئ. غفر الله لي وله!... ونحن هنا لا نقول كلامنا لندل على نفسنا عياذا بالله، ولا لنثبت مكانة لنا مع أحد؛ ولكن لنعود بإخواننا إلى ما يعطيه العقل السليم، من وجوب التريث والتثبت، في مثل هذه المواقف. لكنه العقل العربي السقيم، الذي هوى بالأمة في عمومها حضاريا، إلى أسفل سافلين... ومن كبرى الضلالات لدى أتباع هذا الصنف من الجماعات، قياس أنفسهم على الأنبياء عليهم السلام، وعلى الصحابة الكرام؛ وكأنهم قد أمنوا البوائق التي تعرض لعوام المؤمنين. وهذه الخصلة، قد أبعدت بهم في طريق الضلال، ومكنت فيهم آفة الكبر والعجب ولو من غير داع. وسنرى ما سينشأ عن هذه الآفة فيما بعد إن شاء الله... وإن نحن قارنا بين جماعة العدل والإحسان، وما تدَّعيه لنفسها من تزكية، فإننا سنجدها على النقيض تماما؛ لأن أهل التزكية كانوا يمعنون في الغض من أنفسهم بُغية الحد من غلوائها. يقول الله تعالى واصفا لمن يحب من المؤمنين: {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} [المائدة: 54]... ب. عيش الجماعة في عزلة وجدانية: لقد عمل الأستاذ عبد السلام ياسين، باعتماده لتنظيم جماعة الإخوان المسلمين، الماسوني الأصل، على التحكم في الأفراد تحكما يفوق أحيانا تحكم المخزن نفسه. ولقد كنا نحن نتعجب دائما، من زعم مواجهة الاستبداد السياسي باستبداد ديني أسوأ منه على كل حال. لكن اتّباع الأهواء، وتعجل قطف الثمار السياسية من قبل المغرضين، من أولئك الذين صاروا بين عشية وضحاها نقباء ومسؤولين جهويين، سهّل الوقوع فيما لا يقع فيه العقلاء والأتقياء على السواء في العادة. لا يمكن في هذا السياق، أن نغفل الصادقين من المؤمنين، الذين يكونون الطبقة السفلى في الغالب لمثل هذه الجماعات، والذين كانوا يُعَدّون إما للنفقة، وإما لتكثير سواد المظاهرات. هؤلاء المؤمنون -بسبب ثقتهم العمياء في رؤسائهم، وبسبب جهلهم بأحكام الدين- قد قُدِّموا قربانا للمشروع الإسلامي الوهمي، فأصابهم جراء ذلك الأذى في أنفسهم وفي أموالهم!... والله وحده، يعلم كم لاقوا من كل الأطراف!... والعزلة التي كان يعيشها العدليون، مكنت من تشبعهم بالسوء الذي كان عليه عبد السلام ياسين في نفسه. ونعني من هذا، ما يحذّر منه أهل التزكية، من مغبة اتخاذ شيوخ السوء، من دون تمحيص؛ لأن من يقع في ذلك يستجلب الظلمة التي يكون عليها شيخه، فيزداد بها ظلمة على ظلمته، وربما قد يدخل في الضلالات التي كان في مأمن منها، وهو عامي من جملة العوام... وهذا الكلام منا تربوي، لا يعلم أبعاده إلا شيوخ التربية. لذلك فلا ينبغي لأحد من الناس أن يأخذه على ظاهره المعلوم لديه، ويقع في التنقيص من الأستاذ. ونحن على كل حال، نحسبه ممن اجتهدوا فأخطأوا؛ عسى الله أن يغفر لنا وله، وأن يأجره على ما أصابه في دين الله!... ومن أكبر ما وقعت فيه جماعة العدل والإحسان من السوء، خلعها جميع ألقاب الخواص على إمامها من غير علم بدلالتها في أصل الوضع. ومن ذلك القطب، والغوث، والخليفة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والرباني، إلى غير ذلك... بل إن بعض الجهلة من متعصبيهم، يجعله أهلا للبيعة العامة، ويجعله الولي الذي تفوق ولايته كل ولي!... هكذا سمعت منهم!... حتى غابت مكانة كبار الصحابة لديهم، خصوصا عندما اجترأوا على الخليفة عثمان رضي الله عنه، وتناولوه بالنقد، وما كان ينبغي لهم!... وهذا ليس بمستغرب في المجتمعات الطائفية والمذهبية، التي تؤسَّس فيها الضلالات الحديثة على الضلالات القديمة، والتي تصبح الآراء العقلية فيها أحكاما دينية. وما زعْم المهدوية في القرون المتعاقبة عن علم الناس ببعيد!... ولعل الأستاذ عبد السلام كان يقتفي لأثر سيد قطب، الداعي للعزلة الوجدانية في مجتمعه، بعد أن حكم عليه بالجاهلية. وهذا غير مستغرب ولا مستبعد، ما دامت جماعة العدل والإحسان لا تعدو أن تكون نسخة مغربية عن جماعة الإخوان المتفرعة في جميع البلدان الإسلامية... أما إن كان العدليون يقيسون عزلتهم على عزلة أهل التزكية، فليعلموا أن عزلة أهل التزكية لا تكون انغلاقا دون الأمة، مع إساءة الظن بها؛ بل تكون انشغالا بخصوصية النفس، وبنية كف السوء عن الأمة. يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «الْمُسْلِمُ، مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِه.» [متفق عليه]. ولا سلامة قبل تحقق التزكية، إلا مع العزلة كما لا يخفى. أما العزلة الإخوانية، وعزلة كل جماعة بدعية، فهي عزلة تميُّز عن المسلمين؛ وهي مذمومة شرعا!... ج. تخصيص المجتمع المغربي بالدعوة: لا شك أن جماعة العدل والإحسان جماعة مغربية، حرص مرشدها على ألا تكون له معاملة مع الخارج، تجنبا لكل مصادمة للقانون المحلي. ولقد كان أتباع الجماعة يحرصون على صلاة الجماعة في المساجد، وعلى اعتلاء المنابر ما وجدوا إلى ذلك سبيلا؛ حتى يكون لهم الحضور المنشود في مجتمعهم. كما اعتمدوا حضور المناسبات من أفراح وأتراح، مع المسارعة إلى تقديم يد العون للناس فيها. وبهذا الأسلوب، استولت الجماعة على كثير من العامة، الذين لا يعتبرون في الدين إلا ما ينالهم من رحمة دنيوية!... ولقد دأبت الجماعة على إحياء المناسبات الكبرى كعيد المولد النبوي، وعلى دعوة الناس إليها؛ حيث يحضر أحد "الإخوة" ليحاضر الناس فيما هو من أصول الجماعة. ولم يكن يميّز جماعة العدل والإحسان في المجتمع المغربي، عن الجماعات الأخرى، والإخوانية بالخصوص، إلا كونها تعتمد خطاب المتصوفة بطريقة لا تختلف في ظاهرها عن زوايا التبرك المبثوثة هنا وهناك؛ وإن كانت لا تفوت فرصة للتنقيص من "التصوف" نفسه. وهذا، لا يدل إلا على أن الجماعة، وقبلها مرشدها، لا يفرقون بين تصوف المتصوفة وتصوف الصوفية. وعدم التفريق هذا، سبب عظيم من أسباب قصور المرشد تربويا، وبالتالي علميا. ونعني من كلامنا، أن اتهام العدليين للصوفية عامة بالقعود عن الجهاد، هو كلام مجانب للصواب: أولا، لأنه لا أحد يسترخص نفسه في سبيل الله أكثر من الصوفية بعد الصحابة المرضيين؛ وثانيا، لأننا لم نعلم لعبد السلام ياسين وجماعته جهادا بالمعنى الشرعي. اللهم إلا ما كان من توهماتهم!... ورغم كل شيء، فإن العدليين كانوا يحرصون على الرحم التي بينهم وبين المتصوفة، لا لحرصهم على التصوف عينه وهم يجهلونه كما أسلفنا؛ ولكن توسيعا منهم لدائرة "الدعوة" فحسب. ولقد كنت وأنا في حوالي الحادية والعشرين من عمري، وبعد انخراطي في الزاوية البودشيشية، أحرص على ألا أهجر أفراد جماعة العدل والإحسان، ردا لمعاملتهم، وإبقاء على آصرة الإسلام الجامعة؛ إلى أن وشى بي مقدم الزاوية -الذي كان يشتبه في منافستي له جهلا- إلى شيخي، فنهاني رضي الله عنه عن مخالطتهم، فامتثلت... والعدليون يرون في أنفسهم، وبتضخيم من الإعلام المشبوه، المحلي والعالمي، كبرى الجماعات الإسلامية. وقد دعوتهم (قيادتهم المحلية) مرة -بعد انفصالي عن شيخي الانفصال المأذون- إلى بيتي في مدينة جرادة، مع جماعة التوحيد والإصلاح، لمـُدارَسَة العمل للإسلام هناك؛ فخاطبني أحدهم (العدليين): نحن جماعة، فمن تكون أنت؟... ولولا أن من كنت أعرفه منهم، أشار عليّ بإهمال القول، زيادة على اعتباري كون القائل في بيتي، لكنت رددت بما يليق؛ مما يجهله المتأدلجون من أمور الدين!... أما أفراد التوحيد والإصلاح، فلقد كان لي معهم شأن آخر، أذكره في محله إن شاء الله... وإن جماعة العدل والإحسان لا تمانع العمل مع غيرها من مكونات المجتمع، خصوصا في المجال السياسي، وعند معارضة النظام؛ ولكنها تريد دائما أن تكون هي القائدة في ذلك العمل، من دون أن تشترط تلك القيادة في البداية، ليكون المتعاونون معها على بيّنة؛ وكأنها تنتظر من الآخرين أن يعرفوا لها مكانتها من أنفسهم، وأن ينصفوها!... ولقد حدث لها ذلك مع موجة ما يسمى الربيع العربي في المغرب، والتي هي حركة 20 فبراير. فبعد أن انضمت الجماعة إليها، لم تلبث أن انسحبت، وتركت المجتمع كله من دون توضيح، في حيص بيص... ونحن هنا لا نقول بموافقة حركة 20 فبراير للصواب، في كل ما أعلنته من شعارات، وهي التي كانت تتزعمها ثلة من الشباب المتحمسين الأغرار؛ ولكن نسجل انسحاب العدليين الغادر فحسب، ونسجل الاستعلاء الذي عومل به الشعب المغربي كله!... ودعوة جماعة العدل والإحسان للمجتمع المغربي، ليست كما يُراد لها أن تبدو في أعين الناظرين، دعوة خالصة من الشوائب؛ بل هي دعوة إلى استعباد جديد، لن نلبث أن نجد الأعداد الرافضة له داخل الجماعة ذاتها، تتزايد مع الأيام!... هذا بالإضافة إلى أن الدعوة الدينية -خصوصا في زماننا- ينبغي أن تكون عامة للأمة الإسلامية، من باب فقه الدين العام على الأقل، إن لم يكن من باب التزكية والعلم الخاص. وهذا، لأننا نعيش عصرا جديدا غير مسبوق؛ له أحكامه المخصوصة به. ألا وهو عصر العولمة التي ما تزال مجهولة للمسلمين، رغم كل ما يقال!... وأما الدعوات التنظيمية التي عرفتها أمتنا عبر تاريخها، والتي منها دعوة "العدل والإحسان"، فإنها دائما تنتهي إلى ما يُخالف أصول الشرع، بدخولها في الخصومات الداخلية المقيتة، وبمخالفتها للأحكام الفقهية المناسبة للعصر!... د. الأمر عند الجماعة بالعدد وبالكرامات: ونعني أن مغالبة جماعة العدل والإحسان لخصومها السياسيين، أو لمنافسيها الدينيين، لا تعدو أن تكون عند أهلها، بالنظر إلى العدد، لا إلى جوهر الدعوة. وهذه الآفة وحدها، تدل على أن الجماعة لم تكن على تزكية؛ لأن التزكية لا تعتبر إلا الحق وحده، ودون مراعاةٍ لشيء سواه. والمراهنة على العدد، بعكس ما ينبغي، ستجعل المشرفين على الجماعة تنظيميا، يتجاوزون عن كثير من المخالفات الشرعية، بقصد الإبقاء على هيكل الجماعة وعلى حجمها. ونسِيَت الجماعة أو أغفلت، أنه لو كان الأمر بالعدد، لكانت الأحقية للمخزن الذي يهيمن على جل نفوس الشعب المغربي، بطرائقه المكيافيلية. وعندما نذكر النفوس هنا، فإننا نعني قلوب العامة، التي يخالطها الشرك من أثر الرهب أو من أثر الرغب معا... ولقد بقيت جماعة العدل والإحسان تداهن نظيراتها من الجماعات الإسلامية، وهي ترى ضلالهم في قرارة نفسها، وفي التصريحات الداخلية التي تكون بين أعضائها؛ لأنها -على غرار الجماعات الأيديولوجية- لا تطيق الإقرار لسواها بمحمدة؛ ولأن أفرادها من كونهم عام، أضعف من أن يسمعوا ثناء لا يرونه انتقاصا من قيمتهم في المقابل. وقد أصرت الجماعات الأخرى على مبادلتها للجماعة المعاملة ذاتها. فنشأ نفاق بين الإسلاميين عموما، يختلف في تفاصيله عن معنى النفاق الفردي، وينضاف إليه. وأما الكرامات التي كان أهل الجماعة لا يدعون وقتا يمر من غير ذكرها، فإنها لم تكن تبلغ حتى ما كان يعقله العوام منها؛ وكأن الفرد إذا صار عدليا، صارت كل شؤونه كرامات!... ولو أننا كنا نبرز أقل ما عرفناه من كرامات في بدايتنا، لعجز المرشد نفسه أن يُدلي بمثله؛ ولكنها التزكية الحق، ألجمتنا، وجعلتنا نتخلف عن الصفوف ونقنع بموضع نعال القوم!... وأما الغريب لدى إخوتنا العدليين، فهو عدم اعتبارهم لما يرونه في الرؤى أو في غيرها، مما يتعلق بغيرهم؛ وذلك لأنهم لا يعملون بها إلا في اتجاه أوحد. وكأنهم يكذِّبون أنفسهم بالحال فيما يحكون!... ولولا أننا لا ندعو إلى أنفسنا هنا، بقدر ما نعين إخوتنا على تبيُّن نفعهم، لذكرنا من ذلك تفاصيل تخصنا، رآها بعضهم لنا من باب الحجة عليهم (هذا إن صدقت رؤاهم!)... ومِن طلب الكرامات من قِبل المتصوفة وأشباههم كالعدليين، فإنه قد قصر الطريق على الشيطان في ضلاله؛ لأن الشيطان يأتي بما يشبه الكرامات إلى الجهلة بسهولة، فيضلّون بها، وهم يحسبون أنهم من الخواص. وليُقس على ذلك، كل ما هو من شؤون أهل الطريق من فتوح (على الخصوص ما يتعلق بالأحداث لا بالتوحيد) ومن غيرها. ولا ينفع في مثل هذه الأمور، إلا النور الذي يهبه الله لمن يشاء من عباده، فضلا منه ونعمة. يقول الله تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام: 122]. ولفظ "الكافرين"، يؤخذ هنا بالمعنى الأصغر، ما دمنا عن المسلمين نتكلم!... ه. اعتماد الديمقراطية تنظيرا وعملا: رغم أن الأستاذ المؤسس قد كتب عن الديمقراطية والشورى، ورغم أنه انتقد الديمقراطية من جهة "المعنى"، لا من جهة "الكيف"؛ فإن الشورى التي أثبتها انطلاقا من النصوص الشرعية، لم يُبرز لها معالم، وإنما تركها في مستوى التنظير. وهو بهذا يوافق فقهاء الإسلاميين الذين لا يرون بأسا في اعتماد الانتخابات وما ينتج عنها؛ وكأن الانتخابات بصورتها المعلومة، مظهر شورَويّ. وهذا لا يستقيم، وإنما هو من التلفيق الناتج عن القصور الفقهي فحسب. وبما أن تنظير المؤسس قاصر، فإن الجماعة قد مالت إلى الديمقراطية مع سائر الديمقراطيين. ولا ندري ما الذي أبقته من الشورى بذلك!... وهذا الميل، هو ما جعلنا نقول باعتماد الجماعة للديمقراطية نظريا؛ ونعني بهذا أن شطر التنظير على الأقل ديمقراطي. أما الشورى فالتنظير لها، مع عدم ذكر تنزيلاتها العملية، يبقى تنظيرا أجوف كما لا يخفى. والديمقراطية في مجتمعاتنا الشائهة، لا بد أن تنبني على علمانية عملية؛ وإن قيل بعد ذلك ما قيل!... وهكذا، فإن جماعة العدل والإحسان صارت علمانية، وإن كانت تُقحم النصوص الشرعية إقحاما في خطابها. كل هذا، والمرشد المؤسس حي بين أظهرها... وأما بعد وفاته، فإن الأمر سيزداد سوءا، مع اعتماد البراغماتية في العمل السياسي... 3. الأخطاء التي ارتُكبت بعد وفاة المرشد: (يتبع...) |