انتهاء الاعتصام بعد
1255
يــــــوم
بسم الله الرحمن الرحيم. يُنهي شيخ الطريقة العمرية عبد الغني العمري الحسني، إلى علم الرأي العام، ومن بعده إلى علم أتباع الطريقة العمرية في أنحاء العالم، أنه: 1. قد عزم على إيقاف اعتصامه مع عائلته داخل بيته نهاية يوم الثلاثاء 15-5-2018م، بمناسبة حلول شهر رمضان الكريم لعام 1439ه. وللإشارة، فإن هذا الاعتصام قد بدأ يوم الاثنين 8-12-2014م، واستمر طيلة 1255 يوم. 2. سيغادر مدينة جرادة التي كانت محل اضطهاده وعائلته من طرف السلطات المحلية والأجهزة الأمنية، مع توظيف الأوباش والسفهاء من أهل المدينة في هذا العمل الشنيع. وسيكون مقر الشيخ المقبل إن شاء الله بمدينة سلا، مرفوقا بجميع أفراد عائلته. حرر بجرادة ليلة الأربعاء: 16-5-2018م. شيخ الطريقة العمرية: عبد الغني العمري الحسني
Translated
Sheikh's Books |
2022/06/29
حتى لا تكرر جماعة العدل والإحسان أخطاءها -3-
(تابع...) 3. الأخطاء التي ارتُكبت بعد وفاة المرشد: إن جماعة العدل والإحسان بعد وفاة مرشدها، قد غيّرت نمطها وإن أبقت على اسمها. وهذا كان يستدعي منها مراجعة لكل تنظيرها، لو أنها كانت تسير على هدى في أمورها. ولكنها -وهي التي لم تكن على هدى مع مرشدها- ستزداد إيغالا في الانحراف، إلى الحد الذي سيضج معه شطر من أتباعها أنفسهم، بالاعتراض على قيادتها بعد مدة؛ وقد كان يحق لهم ذلك، عند انقلاب نمطها، من دون استئذانهم وأخذ رأيهم. وفي الحقيقة، قد انقلب مجلس إرشاد الجماعة، و"الدائرة السياسية" على المرشد إبان حياته؛ عندما قرروا أن يتولوا قيادة الجماعة بعيدا عما سماه بعضهم "خرافات المرشد". ولعلهم لم يكونوا يقصدون بالخرافات، إلا فضيحة رؤى 2006م. وإن انقلاب العدليين على مرشدهم في حياته، يذكّرنا بانقلاب النظام الخاص لجماعة الإخوان المسلمين المصرية، على حسن البنا وهو ما يزال بينهم؛ حتى قيل إن عبد الرحمن السندي قائد النظام الخاص (العسكري)، دفع البنا مرة فكاد يسقطه. بل إن بعض الأصابع أشارت إلى السندي باغتيال البنا، بعد أن أعلن هذا الأخير، أنه يريد استبداله. وقد استدل قوم على صحة هذا الرأي، بعد مقتل سيد فايز الذي رشحه المرشد لخلافته على رأس النظام الخاص. وقد رجح كثيرون أن مقتل سيد فايز رفقة أخته، بالطرد الملغوم، كان على يد السندي. وعلى كل حال، فإن هذه الأحداث تتكرر في الجماعات التنظيمية، من كونها لا تحرص على تحكيم الشريعة في كل أفعالها، وتخرج بسهولة إلى طريقة عمل "المافيا" والتنظيمات السرية المعروفة في جميع أنحاء العالم. وقد يشك بعض الناس في قيام الإسلاميين بمثل هذه الأعمال، من باب إحسان الظن بأهل الدين؛ لكن الأمر محتمل جدا، عندما يستولي الشيطان على الجماعات المتأدلجة، فيصير القائد لها يقينا. وأما استدلال الشيطان بأدلة الوحي، حتى يقنع أتباعه بما يُريد، فهو أمر شائع ومعروف. لهذا، فلا يصح البناء على تأويلات الإسلاميين فيما يأتون من أعمال. ولقد رأينا كثيرين ممن يعدون أنفسهم عقلاء، يتبعون الشيطان بأقل الإيحاءات؛ وكان هؤلاء ممن عرفناهم من الإسلاميين الحركيين، ومن أتباع الطريقة البودشيشية. ولقد كنا نرى كيف كان الشيطان يستحوذ على الشخص، حتى يمنعه من الاستماع إلى نصحنا؛ وهو ما كان يصل بنا إلى السكوت عن النصيحة، عند تبيُّن عدم نجاعتها. وهذه المسألة باب كبير من أبواب علم السلوك، لم نر من يعتني بها من بعد شيخنا رضي الله عنه، إلا محمد بن الطاهر رضي الله عنه. وأغلب الناس، ممن يسهل على الشيطان استتباعهم، بأدنى إشارة من أصبعه!... ومع ثبوت مجاوزة قيادة الجماعة للمرشد، بمدة قبل وفاته؛ فإنها لم تُعلن عن ذلك، حتى لا تفقد الغالبية العظمى من الأتباع، الذين كانوا يوالون المرشد وحده؛ وهذه لا شك خيانة لكل الأتباع!... والمرشد حينما كلم خلصاءه عن مسألة خلافته، لم يكن يَخفى منه لجوؤه إلى التلميح بدل التصريح. وهذا لا يُفهم عنه، إلا مع ثبوت خوفه من انقلابٍ صريح يزيحه عن منصبه، أو يقسم الجماعة على الأقل. والإزاحة عن المنصب، لا تُتصور من القيادة إلا مع القدرة على إقناع الأتباع بعدم أهلية المرشد، بطريقة ما. وإن حادثة محاورة القيادة السياسية للناطق الرسمي باسم القصر وقتها، بمناسبة بحث رفع الإقامة الجبرية عنه، في استبعاد جلي للمرشد الذي هو المعني بالأمر قبل غيره، لم تكن تشي إلا باتفاق على مجاوزة المرشد رحمه الله. ويبدو أنه قد تم الاتفاق بين الطرفيْن على رفع الإقامة الجبرية عن المرشد، مع ضمان عدم إجراء القيادة لندوة صحافية بتلك المناسبة؛ وهو ما خالفه المرشد، بمجرد خروجه من بيته؛ إما لأنه كان يتحدى القيادة وهو يعلم ما دُبِّر من ورائه، وإما لأنه قد أدرك الأمر بقرينة ممن يحيطون به، وهو من هو في الفطانة وقوة الملاحظة. غير أن ما حدث يُنبئ عن دخول الجماعة في ازدواجية واضحة في القرارات، بل عن تجاذب غير خفي، بين المرشد ومجلس الإرشاد. ثم سارت الأمور بهدوء شبه ديبلوماسي، يبدو أن القيادة الجماعية انتهت فيه إلى مسايرة المرشد مع محاصرته، وعدم السماح لأتباعه بلقائه إلا بإذنها؛ في انتظار أن يرحل عن هذه الدنيا... وإن هذا الانقسام في المواقف، الذي طبع رؤية جماعة العدل والإحسان وقراراتها، لم يكن إلا تمردا لنصف عبد السلام ياسين على نصفه الآخر في الحقيقة؛ ما دام كان قد خلط بين التنظير الفكري، وما ينبغي أن يكون من أحكام الشريعة وحدها؛ خصوصا فيما هو منوط بالمعاملة بين الجماعة الشرعية والقيادة الربانية. ونعني من هذا، أن الجماعة ستتخلى عن دعواها التربية عمليا، ولن تُبقي عليها إلا كما يُبقي عليها المتبركة من المتصوفة، عندما يصرون على التمسك بالشيخ المنتقل عن الدنيا، في مخالفة صريحة لظاهر الدين ولباطنه. وهكذا ستعود جماعة العدل والإحسان بعد وفاة مرشدها، جماعة سياسية صرفا؛ ولكنها لن تُفصح عن ذلك، حفاظا على هيكل الجماعة من التفكك. وهو الأمر الذي لن يستمر طويلا، خصوصا عندما ستلوح معالم الجفاف التربوي المظنون، وعندما تظهر بشاعة التنظيم السياسي الحديدي، البعيد عن الدين نظريا في هذه المرة، بعد أن كان بعيدا عنه منذ نشأة الجماعة، عمليا وحقيقة. بل إننا لن نجازف إن قلنا إن الجماعة ستخترقها شياطين الجن والإنس، بسبب غياب النور، وبسبب عدم تمحيص أحوال أفرادها... وسنذكر الآن دلالات انقلاب جماعة العدل والإحسان على منطلقاتها: ا. التمسك باتباع المرشد بعد موته في مجال التربية: قد سبق إلى هذا الزعم جمهور المتصوفة، عندما تَغلُب عليهم العصبية، وينجرّون إلى الإنكار على الربانيين من أهل زمانهم. وأما أهل العدل والإحسان، فهم بالإضافة إلى ما وقع فيه المتصوفة، كانوا يهدفون إلى إمساك الأتباع داخل الجماعة، بعد أن رحل مرشدهم ولو بالحيلة والتعمية. وإن الجميع: المتصوفة والعدليون، يقعون في تناقض صارخ بزعم إمكان تحقُّق التزكية مع من انتقل من المربين عن الدنيا؛ وذلك لأن كل من يعتبرونهم شيوخا لهم بعد رحيلهم، يسبقهم في الزمان شيوخ، يساوونهم في المرتبة إن لم يفوقوهم. ولو أن الناس عملوا بمبدأ البقاء مع الراحل، ما تشيخ أحد بعد الرعيل الأول من الصحابة والتابعين!... فما الذي يمنع القادريين مثلا، أو الرفاعيين، من الاستمداد من أبي بكر وعمر رضي الله عنهما؟ بدل اتباع الجيلاني والرفاعي، رضي الله عنهما؟ لو أن القاعدة سليمة!... وعلى هذا، فإن مشيخة المتأخرين جميعا ستنتفي، وسيبقى الربانيون من كل زمان خارج الاعتبار. وهو ما لا يقول به أحد من عقلاء المتدينين!... ولكن الهوى عندما يستحكم في القلوب الغافلة، يأتي بأحكام عجيبة، أساءت وما تزال تسيء إلى الأمة، ما دام هذا الصنف من الجهلة يتناسلون فيها مع القرون!... ورغم أن القاعدة الحاكمة في هذا الباب جلية (صحبة رباني الوقت)، فما زال بعض من ينتسبون إلى العلم وإلى التربية، متمسكين بخلافها، وكأن الأمر عندهم من المسلَّمات!... وكل هذا، ليس بعيدا عن إمامة الشيطان لهذا الصنف من الناس!... وعبد السلام ياسين قد قلنا نحن عنه إنه لم يكن مؤهلا للتشيُّخ زمن حياته، فكيف تُزعم له التربية بعد وفاته؟!... ولقد سمعنا من يقول بذلك، وهو يظن أن ذلك من تعظيم الشيوخ الذي ينفع عند الله. بينما التعظيم النافع، ينبغي أن يكون على علم وبيّنة، وداخل السنة النبوية، لا أن يكون عن جهل وتقليد أعمى!... والعمدة في هذه المسألة، أن الشيخ الرباني يربي من يكون معه في الدار نفسها (الدنيا هنا). ومن هذا الباب يُقال بضرورة اتباع الشيخ الحي؛ وإن كنا نحن لا نقبل التعبير بلفظ "الحي" على الربانيين، لكونهم أحياء وإن ماتوا الموتة الطبيعية. وهذا الحكم يصح لهم، من كونهم شهداء بغير السيف. وهذه مرتبة معلومة لأهل الطريق، يدل عليها قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى شَهِيدٍ يَمْشِي عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ!» [أخرجه الترمذي والحاكم في المستدرك، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما]. ولكن مع ذلك، فإن التزكية تبقى من النبي صلى الله عليه وآله وسلم، في المظاهر الربانية من كل زمان، لا من غيره. يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِخِيَارِكُمْ؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَالَ: خِيَارُكُمُ الَّذِينَ إِذَا رُؤوا، ذُكِرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ!» [أخرجه ابن ماجة عن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها]. ومعنى "رؤوا" أي كانوا مظهرا للحق من باب فإذا أحببته كنته. والأولياء الذين انتقلوا عن الدنيا، إذا رؤوا فإنما يرون في عالم الرؤيا، لا في عالم الشهادة. والتربية بالمعنى الشرعي ينبغي أن تكون في عالم الشهادة!... وعلى هذا، فإن تأكيد قيادة جماعة العدل والإحسان، على أن عبد السلام ياسين ما يزال مربيا لأتباعه، إنما هو تدليس لا أساس له من العلم. والشيطان -كما لا يخفى- يُعجبه هؤلاء المتبعون بحسب الزعم للمنتقلين من الشيوخ، لأنه يتولى إمامتهم عنهم، وهم لا يشعرون. فيأخذهم في سبل الضلال، وهم يظنون أنهم على قدم الجيلاني أو الرفاعي أو عبد السلام ياسين!... وعلامة ضلال هؤلاء الأتباع، هي أنهم على قدر تعظيمهم الموهوم للمنتقلين من الشيوخ، يكونون في العداء والرفض للربانيين المعاصرين لهم!... بكيفية غير مفهومة!... وعلى شدة وضوح هذه العلامة، فإن الناس يغفلون عنها، وكأنها غير موجودة!... وعلى الرغم من إبقاء قيادة الجماعة الجديدة لوهم التربية على يد المرشد ماثلا بالأذهان بعد موته في الظاهر؛ فإن التمسك بما يسمونه "الصحبة داخل الجماعة"، والذي لا يُقصد منه إلا اتباع إرشاد مجلس الإرشاد، كان منها تناقضا سافرا؛ لأنه ينسف زعم التربية على يد المرشد الراحل نسفا!... وذلك لأن قياد المريدين، ينبغي أن يكون بيد المربي الذي هو بحسب زعمهم المرشد الراحل؛ فإن قيل باتباع مجلس الإرشاد، فُهم من ذلك قيامه بوظيفة التزكية؛ وهذا محال!... محال: لأن الإرشاد الجماعي لا يصح من الأصل!... وهو في الغالب من أبواب الدخول في الشرك، وإن جهل أصحابه ذلك. وقد دل الله تعالى على هذا الأصل المشؤوم في قوله: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [الزمر: 29]؛ ولأن القابلية من التابع أيضا، لا تحتمل الانقياد لأكثر من واحد. وهذا الأصل، يدل عليه قول الله تعالى: {مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ} [الأحزاب: 4]، بعدما أن ذكر قبله قوله سبحانه: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا . وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ، وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا} [الأحزاب: 1 - 3]، ليدل سبحانه على وحدة الوجهة القلبية، والتي هي الله وحده!... وعلى هذا، فالشيخ المربي لا بد أن يكون واحدا في تربيته لتلاميذه؛ لا واحدا في الزمان، كما يقول جهلة المتصوفة. وأتباع العدل والإحسان ليسوا الآن مع واحد، لذلك سيدخل عليهم الشرك، علموا به أم لم يعلموا!... وأما نحن فنرى شركهم رأي العين، ولكننا نسكت لعلمنا بعدم جدوى النصح فيهم؛ إلا من شاء الله!... ب. عدول الجماعة إلى وصف إمامهم الجديد بالأمين العام: ووصف الأمين العام مستعار من المعجم السياسي الحزبي، وهو دليل على أن الجماعة لم تعد جماعة دينية تدعي التربية، ولو من باب التنظير الأجوف. وقد تحولت إلى جماعة سياسية، يدل كل شيء منها، على أنها سياسية فقط!... ولم تتفطن القيادة الجديدة للجماعة، بأن لقب الأمين العام، سيبعد بهم عن مجال التربية كله. لذلك كان الجمع الآن بين توهم التربية مع التسيُّس التام، من أكبر التناقضات "النظرية" لدى الجماعة، وإن كان عموم أتباعها لا يعون ذلك، بسبب جهلهم لأصول الدين (بالمعنى اللغوي). وإن كان عبد السلام ياسين فاقدا لأهلية التشيُّخ بالمعنى التربوي، فما يكون القول عن الأستاذ محمد عبادي الأمين العام للجماعة فيما بعد، وإلى الآن؟!... وما ينبغي أن يُقال هنا، هو أن الأستاذ عبادي قد ظلم نفسه، وظلمه إخوانه بتقديمه؛ لأنه رجل لا يتجاوز مرتبة مقلدة الفقهاء. وهو على خطر في مصيره الأبدي بتقدمه من دون أهلية!... ولا نظن أن تقديمه من قِبل ذئاب السياسة في الجماعة كان اعتباطا، ولكن نظن أنه اختير واجهة، تقضي الذئاب مآربها من خلفه، وتحت غطائه. والإثم في هذه الحال مشترك بين الجميع، وإن كنا ندعو الله للجميع بالتوبة قبل حلول الموت. ندعو بذلك صدقا، ومن حرصنا على إخواننا الذين لاقوا صنوف المشقات والأذى، من أطراف كثيرة، وهم يحسبون أنهم في سبيل الله يجاهدون؛ وهيهات!... فالجهاد له علمه المخصوص، وله شروطه. ولا يكون باتباع الأهواء قط!... يقول الله تعالى: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا . الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا . أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا . ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا} [الكهف: 103 - 106]. وليأخذ القارئ معنى "الكفر" في الآيات بالمعنى الأصغر، حتى يُدرك مرادنا؛ وليأخذ معنى "الرسل" بمعنى المظاهر الربانية، ما دامت المظاهر رسلا بين الناظر والمظهر. وهذه المعاني كلها معانٍ قرآنية صحيحة، وإن كانت تخرج عن إدراك علماء التفسير الظاهر!... ج. حرص الجماعة على وصف نفسها بالجهاد كذبا: وهذا قد بدأ به المرشد الراحل، ثم استفحل مع القيادة الجديدة. والعجب كل العجب من جهاد بغير مـُجاهَد مشهود!... إذ مَن الذي تجاهده جماعة العدل والإحسان؟ ونحن لا نراها تقاتل كافرا، دفاعا عن دين أو عن عرض أو أرض!... أما إن كان الظن بأن المـُجاهَد هو المخزن، أو النظام الحاكم، فهذا لا يصح شرعا؛ لأن المخزن لم يُعلن الكفر صراحة، ولم ينه عن إقامة الشعائر، وإن كان مسهلا للفسوق والعصيان. وهذه الآفة، يكفي أن يقوم فيها علماء الشرع بوظيفتهم المنوطة بهم، من تبيين للأحكام الشرعية، ومن إعلان لها، في مقابل كل ضلال. ثم إن مواجهة المخزن في المغرب، ليست بالسهلة، بسبب تعدد وجوهه، والتي يكون من جملتها بعض كبار الفقهاء أنفسهم. وجماعة العدل والإحسان، لم نعلمها قامت للفقهاء المقصرين، تدعوهم إلى العودة إلى الجادة يوما؛ بل العكس هو الصحيح. فنحن رأينا كيف كان الأستاذ عبد السلام يستميل الفقهاء، بإظهار التأدب معهم في الغالب، وإن كان -والحق أحق أن يقال- قد انتقدهم في بعض كتاباته انتقادات لاذعة؛ ربما ليضغط عليهم في اتجاه الانضمام إليه. والفقهاء من كونهم لا يقرأون كثيرا، كسائر العوام، فإنهم سيبقون مصرين على استقلاليتهم. هذا، بالإضافة إلى أن انضمامهم إلى جماعة العدل والإحسان، قد يجلب عليهم نقمة المخزن. وقولنا "قد"، يفيد احتمال انضمام بعضهم إلى الجماعة بإيعاز من المخزن نفسه. ولعل الكلام في التفاصيل، يأتي فيما بعد إن شاء الله... ومن أكبر ما يُحسب للأستاذ عبد السلام، أنه كان أكبر من أن يتلاعب به المخزن، عن طريق إدخاله في "اللعبة السياسية"، أو عن طريق توجيهه عموما. وقد بقي الأستاذ محافظا على مكانته الفكرية السياسية، إلى أن انتقل عن هذه الدار. وهذا أمر ليس بالهيِّن!... أما القيادة الجديدة، فلم نر لها أثرا يُذكر في الشؤون السياسية المغربية. وبدل ذلك هي أبقت على استمرار الحال على ما هي عليه في الظاهر، وإن كانت قد نزلت كثيرا عن مستوى المرشد المؤسس في الحقيقة. ولا نستبعد أن تدخل الجماعة في تنازلات سياسية للمخزن، تكسب بها بعض التمديد في عمرها القصير، وربما تُهيَّأُ به لأن تقوم بمهمة حزب العدالة والتنمية الذي استنفد أغراضه، بخيانته لكل مبادئه... لم يبق للعدليين، بعد إخفاق مشروعهم، إلا التوبة إلى الله، إن كانوا يرجون الآخرة؛ أو أن يدخلوا عالم السياسة من باب التحزب، إن كانوا يريدون الدنيا؛ وهو الراجح، بسبب غياب التزكية الذي تكلمنا عنه سابقا. وربط المسبَّبات بأسبابها، أمر ضروري؛ إن كنا نريد أن نفهم ما يدور حولنا؛ وإلا فالسلام على السياسة، كما تُوُدِّعَ من التزكية التي هي أساس الدين. ونحن نجيز العمل السياسي، من باب العمل جزئيا بالشريعة؛ وبالشروط الشرعية، لا بغيرها!... د. تعمد أكل السحت: ورغم أن الوقوع في أكل السحت، قد وقع فيه المرشد نفسه، بصورة دنيا، لكونه اعتمد الاشتراك المالي الشهري المعلوم في التنظيمات عموما؛ إلا أننا كنا نرى بعض صدق للمرشد في المسألة، يمتاز فيه عن غيره بالعلم، وبخصوصياته الشخصية (نحسبه كذلك والله حسيبه). وربما قد تكون هذه المسألة، مما اجتهد فيه فأخطأ، لكونها ذات ذيول وتوابع تتطلب فقها خاصا. وأما القيادة الجديدة في المقابل، فهي قد استمرت على النهج ذاته، مع الغموض في المحاسبة والمراقبة؛ وكأنها قد تحللت من رقابة المرشد فحسب. وهذا يجعلها موضع شبهة، من الناحية المالية؛ خصوصا وأن المنفقين الذين تُؤخذ أموالهم في الغالب، هم من فقراء الموظفين وأصحاب الحرف، الذين هم أحوج إلى أموالهم من غيرهم. وهذا، مع اعتبار عدم تحقق إنجاز يُذكر للجماعة، يُفسِّر جمعها لهذه الأموال عبر السنين!... وقد تدخل في هذه الشبهة، كل المناصب التراتبية في الجماعة، التي تمر على أيديها هذه الأموال. ونعني من ذلك أن مستلم المال قد يكون نقيب أسرة، ثم قد يكون نقيبا محليا، ثم جهويا، ثم وطنيا؛ ولا يكون أمينا. ولا نظن أن آليات المراقبة في الجماعة تضمن سلامة الذمة دائما في هذا الشأن، والذي هو من أعظم ما تتعلق به النفوس!... وقل ما شئت بعد ذلك، مع غياب التزكية بالمعنى الشرعي!... وما يشهد لإمكان وقوع العدليين في هذه الآفة، هو وقوع بعض البودشيشيين فيها. فقد علمنا منذ سنوات طويلة، اختلاس شخص كُلِّف بالإشراف على وليمة (ليلة) كبيرة (شبه وطنية) لقيمة الدجاج المـُعَد للأكل، بطريقة ملتوية. سمعنا هذا في إبانه، ممن نثق به... وليست هذه الحادثة الوحيدة المعلومة لدينا في المسألة!... ونحن نريد التدليل من الواقع، لا الفضح؛ حتى يعلم القارئ لكلامنا، أن مسألة المال، مسألة خطيرة، لا يسلم منها إلا من سلَّمه الله!... ه. محذور مجاوزة الديمقراطية إلى الدجالية: بعد وفاة المرشد المؤسس، ازدادت الجماعة إيغالا في الديمقراطية، خصوصا بعد ازدياد نفوذ الدائرة السياسية على عموم المنتسبين؛ حتى عادت تتلاقى عليها مع من لا دين له في المجتمع المغربي، كما هو معلوم. وهذا التلاقي على غير الدين، هو من التناقض السافر في التنظير وفي العمل. أما من جهة التنظير، فلأن الدين فوق التنظيرات بالمرتبة، نظرا لربانيته؛ فوجب تحكيمه لا تحكيم غيره؛ وأما من جهة العمل، فلأن التعاون مع الغير، ينبغي أن يكون على البر والتقوى، لا على الفسوق والعصيان. والديمقراطية هي فسوق في نفسها، ومنتجة للعصيان في تطبيقاتها. ولو أننا دخلنا في تفاصيل المسألة، لهال الأمر الناظرين!... ولقد تعجبت من حادث كنت أنا محوره: وهو أن الاعتصام الذي دخلته مُضطرا، في مدينة جرادة، والذي دام ثلاث سنوات ونصف، كان قد زامن اعتصاما في الرباط للدكتور المعطي منجب. ولاحظت أن المؤسسة الحقوقية للجماعة، قد أصدرت بيانا تعلن فيه تضامنها مع منجب؛ أما أنا الذي تجاوزته بمدة، ربما هي من أطول مدد الاعتصامات في المغرب، وأشاركهم المنطلقات الدينية بحسب الزعم، فإن الجماعة لم تلتف إليّ بتاتا، مع علمها اليقيني بحالي. فهل ترى الجماعة أن منجب أقرب إليها منا، مع ما ينبغي أن يجمعنا من دين (ونحن لا نقول هنا بكفر منجب، ولكن نقول بمخالفته في السياسة للشريعة)؟... أم إن الأمر متعلق بدين صوري يعرف بعض أهله بعضا، ولا يهمني أنا في شيء؟... وعلى كل حال، فقد أغناني الله في جميع مراحل الضيق التي مررت بها، عن مناصرة المخلوقين، فما كنت أفرق بين أن يساندوني أو ألا يساندوني. وربما ستأتي فرصة أخرى، نتكلم فيها عن كل المتاعب التي دخلنا فيها على مر حياتنا، لنبين كيف كانت تمر بفضل الله، على غير ما يتوقع الناس!... وسيظهر من كلامنا، كيف أن المخزن كان يحاربنا حربا شعواء، من غير سبب يُذكر؛ إلا ما يدخل ضمن سوء الظن المعتمد لدى خدمه من المراتب السفلى، أو تبليغ مغرض ممن عرفنا من خدمه من المراتب العليا (إما من أصحاب المناصب أو ممن كانت لهم معاملات مع الدوائر الخاصة). وعلى كل حال، فنحن نجزم أن التقارير التي كانت تُرفع عنا منذ شبابنا، كانت تقارير سيئة ومحرِّضة؛ بسبب غباء من يرفعها، وبسبب استقلالنا في الرأي منذ شبابنا؛ ولكن من دون اشتغالنا بالسياسة. وهذا لأن الله قد بغض إلينا السياسة، منذ بلوغنا سن التمييز؛ وبقينا على ذلك إلى الآن. اللهم إلا ما يكون مما يدخل في أحكام الشريعة، التي صرنا نتبيّنها مع السنين!... وهذا الذي نَحْذَرُه على الجماعة من انقلاب إلى الدجالية، هو من أثر مواصلتها للعمل بالديمقراطية. إذ إن الدجاليين، لم يُفصحوا عن حقيقة مذهبهم، إلا بعد التأسيس له بالديمقراطية. فهم عندما أرسوا مبدأ مركزية الإنسان، ومبدأ الحرية العامة التي لا حادّ لها من دين؛ بعد ذلك بدأوا يعلنون عن الدجالية شيئا فشيئا، والشعوب مستكينة مخدرة. والعدل والإحسان، إن بقيت على ما هي عليه، ستجد نفسها مرغمة، إما دجالية؛ في معارضة تامة لما انطلقت منه نظريا؛ وإما حزبا على غرار حزب العدالة والتنمية. أما نحن، فنرجو لها، أن يتداركها الله برحمته، وأن تستأنف الطريق من جديد، بقيادة ربانية حقا، تجنبها اتباع الهوى. ولا محيص لها عما نقول، إن كانت تحسب حساب آخرتها!... أما إن سارت الجماعة بعكس ما ينبغي، فإن الدجالية لديها، ستكون مسألة حتمية، ومنوطة بالزمن وحده؛ لأن الديمقراطيين، سيجدون أنفسهم أمام طريق مسدود، عن قريب. وقد بدأ هذا يُرى رأي العيْن، في بلدان كانت تُعدّ رائدة في الديمقراطية؛ بخلافنا نحن الذين نعاني من الزيف في كل شيء، حتى فيها. ولقد وقعت جماعة الإخوان (الأم) أيضا، في الدجالية، منذ أمد؛ ومن دون أن يشعر جل الأتباع بذلك. لذلك خيّب الله مسعاها، وقوَّض أُسُسها!... 4. أخطاء مريدي الإصلاح من داخل الجماعة: (يتبع...) |