انتهاء الاعتصام بعد
1255
يــــــوم
بسم الله الرحمن الرحيم. يُنهي شيخ الطريقة العمرية عبد الغني العمري الحسني، إلى علم الرأي العام، ومن بعده إلى علم أتباع الطريقة العمرية في أنحاء العالم، أنه: 1. قد عزم على إيقاف اعتصامه مع عائلته داخل بيته نهاية يوم الثلاثاء 15-5-2018م، بمناسبة حلول شهر رمضان الكريم لعام 1439ه. وللإشارة، فإن هذا الاعتصام قد بدأ يوم الاثنين 8-12-2014م، واستمر طيلة 1255 يوم. 2. سيغادر مدينة جرادة التي كانت محل اضطهاده وعائلته من طرف السلطات المحلية والأجهزة الأمنية، مع توظيف الأوباش والسفهاء من أهل المدينة في هذا العمل الشنيع. وسيكون مقر الشيخ المقبل إن شاء الله بمدينة سلا، مرفوقا بجميع أفراد عائلته. حرر بجرادة ليلة الأربعاء: 16-5-2018م. شيخ الطريقة العمرية: عبد الغني العمري الحسني
Translated
Sheikh's Books |
2022/07/28
حتى لا تكرر جماعة العدل والإحسان أخطاءها -4-
(تابع...) 4. أخطاء مريدي الإصلاح من داخل الجماعة: إن الغلط الذي يقع فيه مريدو الإصلاح من داخل الجماعة، هو أنهم يعتبرون تنظير عبد السلام ياسين أساسا يُرجع إليه. وهذا المعنى لا يصح في الدين، ما دام التجديد من كل قرن، هو الرجوع إلى الصورة الأولى للدين، وملاءمتها مع خصوصيات العصر فحسب. وهذا يعني أن الصورة التجديدية، لا تكون أصلا أبدا، وإلا لانقطع الاتصال بالأصل الأول، ولاندثر الدين بأكمله. هذا إن كان التجديد تجديدا وفق شروطه، وأما إن كان انحرافا بزعمه، فإنه لا يُلتفت إليه من الأصل. وإن كان للعامة عذر في جهل ما يتعلق بالتجديد الديني، فإن علماء الدين لا عذر لهم. ولنعتبر الآن بعض شروط التجديد، لتتضح المعالم أكثر فأكثر: 1. الربانية الوراثية: وبها يتمكن الشخص من إدراك الدين في صورته الأصلية؛ حتى إن الشيخ الأكبر رضي الله عنه، يشترط أن يشهد الرباني الكبير، جبريل وهو ينزل بالقرآن منجما على النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وهذا يعني أن الرباني الوارث يعلم الأصل الأول للدين، الذي لم يكن يعلمه إلا النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وعبد السلام ياسين، لم يبلغ هذا الطور، بما أنه كان يؤسس على كلام ابن تيمية والشوكاني وغيرهما!... وأين الثرى من الثريّا!.... 2. التجديد الديني ينبغي أن يشمل أصول الدين وأصول الفقه: ونحن لم نر لعبد السلام ياسين كلاما فيهما معا؛ بل إنه لم يبلغ أن يتكلم في فروع الفقه، تجديدا للأحكام التي ينبغي أن تُساير العصر، من طور الفقهاء. بل إنه هو نفسه كان من مقلِّدة الفقهاء؛ ولم يبلغ حتى مرتبة الأصوليِّين، الذين هم بالنظر إلى عامة الفقهاء كالفلاسفة بالنظر إلى عامة المفكرين. ولا ينبغي أن يغتر الناس بما كتبه في بعض أبواب الفقه، السياسي والاقتصادي على الخصوص؛ لأنه ما سلك في ذلك طريق الفقه ولا طريق التجديد. بل إن ذلك لا يعدو أن يكون فكرا، ظن به صاحبه أنه قد أصاب شيئا. ولم يكن عبد السلام ياسين وحده فريسة للفكر، لأن جُلّ الفقهاء اتبعوه عندما فقدوا النور. والمرء من هؤلاء في الغالب، لا يُميِّز الفكر من الفقه، إلا إن كتب الله له لقاء أحد الربانيين؛ لأنه عندئذ سيكتشف طريقا آخر ومنطقا آخر، لم يكن له عنهما خبر، وإن ظن غير ذلك!... 3. إبراز المرتبة التي يكون فيها التجديد: إن التجديد يتعلق بمراتب الدين الثلاث، وإنّ على المجدد أن يعلم مجال تجديده، وألا يتجاوزه؛ وهو الخطأ الذي وقع فيه الكثيرون، عبر الزمان، والذين لا يكون عبد السلام ياسين إلا أحدهم. ونعني من كلامنا هذا، أن الفقيه المجتهد، عليه ألا يتعدى مرتبة الإسلام. وجهل الفقهاء بهذا الأصل، هو ما دفع بهم إلى الخوض في "الكلام" وفي التنظير للعقائد، ظنا منهم أن العقل الذي أُذن له في استنباط الأحكام، قد أُذن له في تناول الذات والصفات؛ وهو أمر منكر، وعمل من عمل الشيطان، قد فرق به الأمة وجعل المسلمين يتطاحنون فيما بينهم لقرون عديدة. وأما الأستاذ عبد السلام، فإنه كان من مقلدة الأشاعرة، وهو ما يعني أنه لم يعرف مرتبة الإيمان على وجهها الأصلي. وأما مرتبة الإحسان التي يريد أن يمتاز بها عن سواه، فإنها بقيت لديه ولدى أتباعه مبهمة. والدليل على هذا الانبهام، هو فهم كثير من أتباعه الذين سمعنا منهم، للإحسان بالمعنى اللغوي. وهو ما حدا بهم إلى الدخول في العمل الخيري، ظنا منهم أن هذا هو الإحسان بالمعنى الاصطلاحي الشرعي. وما علموا أنهم بعملهم هذا، يحرفون الدين، ويعيدون صياغته صياغة بدعية ستضر بالأمة (الشطر المغربي) أيما إضرار. وإن انتهاج سبيل التدليس، وعدم الإفصاح والتوضيح، إلى جانب تغليب العمل السياسي الغافل، قد صيّر الدين لدى العدليين خليطا لا يُستبان منه علو من سفل. وإن العامة من الأتباع، بترديدهم لكلمات: الإحسان، والربانية، والصحبة، والتزكية، وغيرها... ظنوا أنهم قد وقعوا على ما فات غيرهم؛ وهم في الحقيقة لم يحيطوا حتى بما أسسه الأولون في علم المراتب. وبما أنهم أيضا عقول عربية متخلفة، فإنهم لم يكلفوا أنفسهم مقارنة ما يتكلم به مرشدهم، بما أصَّله الصوفية، الذين هم أهل الاختصاص في كل العلوم المذكورة. بل إن عبد السلام ياسين، وبعده سفهاء الأتباع، لم يتوانوا عن التعريض بالصوفية، وهم قمم لا يرقى إليها من في الحضيض من أمثالهم. ولقد سلك المرشد أيضا في هذا المضمار مسلك التدليس، عندما لم يُنكر التصوف من أصله، ولكنه أنكر على الصوفية بحسب زعمه تقصيرهم في الجانب الجهادي. وهذا الكلام لا يُقبل منه البتة لأسباب: الأول هو أنه يجهل التصوف، ولم يشم منه إلا بعض ما يكون من طور البداية؛ ظنه مع قراءاته أنه النهاية، وهيهات!... والثاني، وقد ذكرناه آنفا، وهو جهله بمعنى الجهاد. وذلك لأن الجهاد ليس هو مواجهة الحكام في بلاد المسلمين، بمزاحمتهم على الحكم؛ وإنما هو قتال تحت راية خليفة أو سلطان شرعي، لأعداء الدين إن هم بغوا على المسلمين، أو هم قهروا أقوامهم على الكفر. وهذا، يُخالف ما أسسه الفقهاء من معنيَيْ جهاد الدفع وجهاد الطلب، ولا يُكتفى فيه بظاهر موافقة الشرع. وعبد السلام ياسين، لم يأت بمزاحمة الحكام من الشرع، وهذا عبادة بن الصامت يُخبرنا عن شروط بيعة الصحابة المرضيين للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، فيقول: "بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي الْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ، وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ، وَأَنْ نَقُومَ أَوْ نَقُولَ بِالْحَقِّ حَيْثُمَا كُنَّا، لَا نَخَافُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ." [متفق عليه]؛ بل أتى بها من الفكر اليساري الدخيل. ولقد خلط بين الجهر بالحق الذي يكون عليه أهل الدين، والمعارضة السياسية كما هي معلومة لدى الثوريين. وأما المغاربة الذين اتبعوه، أو مالوا إليه من دون اتباع، فقد استهواهم بجرأته على الملك، وبسوء أدبه مع خواص الأمة وعمومها، عند تخطيه للرقاب ومجاوزة الصفوف (المراتب). ومع ذلك، لم يكن يعلم -رحمه الله- أن الشعوب العربية قد أصابها الكُساح من التقليد الفقهي المستمر فيها قرونا طويلة، فعادت لا تعرف إلى الأفعال في الواقع طريقا. وهكذا، فقد اصطدم المرشد بالخواء الإيماني في النفوس، والذي لم يزده ابتداعه في التربية إلا استفحالا، ورأى بأم عينه أتباعه وهم يتسابقون على المناصب القيادية، تمهيدا لفتح أبواب استثمار الدنيا على قدر مستطاعهم، إلى الحد الذي لم يبق لهم معه إلا النظر للأحداث عن بعد. وما علم المرشد أن كثرة أعداد أتباعه، لم تكن إلا غثاء كغثاء السيل، ما لبثت الأيام أن كشفت حقيقته للخصوم قبل غيرهم. والسبب الثالث، هو أنه نزع عن الصوفية صفة الجهاد، وهم رضي الله عنهم في طليعة المجاهدين من كل القرون. وكيف لا يجاهد الصوفية الأعداء، وهم من فرَّغوا أنفسهم لمجاهدة أنفسهم؟!... وهذا الرأي من عبد السلام ياسين، كان سقطة جلبت عليه إنكار أهل الله من الأحياء والنائمين!... وليُعرف من هنا، سبب إخفاقه في مشروعه التلفيقي!... وهكذا، وبدل أن تعمل جماعة العدل والإحسان على الإصلاح من حال المجتمع المسلم، ولو بقدر ضئيل؛ فإننا نجدها زادته رهقا، وأبعدت به عن الطريق. ولقد بلغ الأمر بها أن كثيرا من أتباعها، قد أصبحوا لا يتمكنون من تخليص أنفسهم، من هذا الضلال الذي انغرزت فيه أقدامهم؛ فعادوا يجاهدون، نعم، لكن ليُبقوا على صنم الجماعة قائما؛ وعلى التنظير السقيم للمرشد مستمرا، وكأنه الوحي الذي نزل من عند الله. ولندخل الآن في تفاصيل هذا العنوان الرابع: ا. العودة في التصحيح إلى تنظير المرشد: وهذه العودة لا تصح، لأن كل تصحيح في كل زمان، ينبغي أن يعود إلى الأصل النبوي الأول، كما قلنا، لا إلى غيره. ولعل ما أدى بهذه الفئة، إلى العودة إلى التنظير الأول للمرشد أمران: الأول: هو الجهل بأصول الدين (بالمعنى اللغوي) في القرآن وفي السنة. الثاني: هو تقليد الجماعات الأخرى الماضية والمعاصرة، في عودتها إلى أئمتها؛ وكأن كل جماعة عليها أن تحافظ على خصوصيتها، من أجل المحافظة على وجودها. وهذا لو تأمل أصحابه قليلا، لبان لهم أنه بخلاف مقصد الشريعة؛ لأن مقصد الشريعة هو إبراز وحدة الأمة، الماحية للخصوصيات المانعة عنها؛ وهو لا يُنال إلا بتغليب الأصول دائما. ورغم أن هذا المبدأ شديد الوضوح في الدين، فإن أتباع الجماعة يعملون على نقيضه؛ من دون أن يجعلهم ذلك يراجعون حقيقة تديُّنهم، بسبب ما تكون عليه الجماعات البدعية من توافق على الباطل (تواطؤ). ومن هنا تُعلم أهمية السلوك الفردي، الذي يكون عليه أتباع الربانيين من المسلكين، والذي يكون فيه الأتباع على بصيرة وبيّنة... وإن العودة إلى تنظير المرشد في عملية التصحيح، تجعل من هذا التنظير ناسخا للدين في الحقيقة كما يُفهم من كلامنا السابق، وتجعل من المنظِّر نبيا مزعوما بالفعل، وإن تحاشى الأتباع قول ذلك صراحة. وأما الانطلاق من النصوص الشرعية، مع ما ذُكر من آفات، فلا يُعتبر؛ لأن هذه النصوص قد تفقد دلالاتها الأصلية، وتكتسب دلالات مستحدثة محرفة، تكون في حقيقتها نسخا لها، ولكن من دون أن يتنبه العامة إلى هذا النسخ لعموم الجهل. ودليل الوقوع في هذه الآفة، هو أن كل جماعة من الجماعات المعنية، ترى في مؤسسها والمنظِّر لها مجددا -بالمعنى الشرعي- للدين، لا محرفا له، وترى نفسها على وفق النصوص الشرعية كلها. والسبب واضح، وهو غياب النور لدى الأتباع، وضعف العلم عند فقهاء العصر بالتجديد قبل غيره. وهذا صنف من الاستحواذ على الدين، ومن توظيفه بعد ذلك في الأغراض الدنيوية بعيدا عن الغاية المشروعة، كما فعلت الأمم الأخرى قبلنا. ولو أن الناس من مختلف المشارب، تنبهوا إلى أن مخالفيهم واثقون كوثوقهم، لعادوا إلى تمحيص ما هم عليه إن كانوا منصفين؛ بدل التشنيع على المخالفين، وقد يكونون أحق منهم بما يدَّعون. لا شك أن منطق استبدال الفرقة والطائفة بالأمة، قد تأسس مع نشوء المذاهب الفقهية والفرق الكلامية. وقد تحول كل مذهب وطائفة مع الغفلة بعد ذلك إلى "جماعة الحق" أو "الفرقة الناجية"، في ضرب لأصول التشريع في مقتل. وقد أدى هذا الانحراف، الذي لم يكن يقصده أئمة الفقه الأُول والمعتبرون، إلى آفة عُظمى: وهي انحجاب عموم الأمة عن نبيها صلى الله عليه وآله وسلم، وبقائهم مع أئمتهم وكأنهم هم الأنبياء!... نعم، لم يقصد الناس ذلك، ولا قالوا به صراحة؛ ولكنه الواقع الذي انتهوا إليه، والذي جعلهم ينحدرون إلى مرتبة الكتابيين في تديُّنهم!... وعلى من يتوهم أننا نبالغ في الكلام، أن ينظر إلى ما وصلت إليه الأمة اليوم، وهي تسوي بين المؤمن والكافر، وتمحو الفواصل والحدود بين هذا وذلك دنيا وآخرة؛ حتى سمعنا من يقول بدخول الكافرين الجنة، وهو لا يشك أنه على الحق المبين!... لم تكن الأمة لتبلغ هذا القاع، لولا بدء الانحراف عندها منذ القرن الأول، ولولا استفحاله مع القرون المتتالية، على يد أئمة الضلال الذين حذر من اتباعهم مؤسس الدين صلى الله عليه وآله سلم، فيما أخبر به عبد الله بن مسعود رضي الله عنه بقوله: "خَطَّ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا خَطًّا، ثُمَّ قَالَ: «هَذَا سَبِيلُ اللَّهِ!»؛ ثُمَّ خَطَّ خُطُوطًا عَنْ يَمِينِهِ، وَعَنْ شِمَالِهِ، ثُمَّ قَالَ: «هَذِهِ سُبُلٌ، عَلَى كُلِّ سَبِيلٍ مِنْهَا شَيْطَانٌ يَدْعُو إِلَيْهِ. ثُمَّ تَلا: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ}» [أخرجه الدارمي وأحمد وابن حبان والحاكم في المستدرك]. وهذا يدل، على أن كل إمام يحجب أتباعه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بكيفية ما، فإنه يكون إمام ضلال لا إمام هدى؛ مع التنبيه هنا إلى أن الأمر قد يكون جزئيا أو كليا. ولا يكفي أن يُذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأن يُصلَّى عليه، قولا، والذاكر والمصلي على غير سبيله بالحال وبالفعل. ونحن وإن كنا لا نحكم على المسلمين بالضلال الأكبر دائما، فإننا نرى الضلال الجزئي الأصغر، لا يسلم منه إلا من سلَّمه الله!... ب. حصر التصحيح في استبدال القيادة: نعم، نحن نقر بأن القيادة السياسية لجماعة العدل والإحسان، قد تمادت في ضلالها، بأكثر مما كان عليه المؤسس؛ ولكن الضلال المتعلق بالجانب التربوي مستمر من المؤسس وممتد إلى كل أفراد الجماعة، إلى الآن، بمن فيهم مريدو الإصلاح. ولو حصر المريدون للإصلاح كلامهم في الجانب السياسي وحده، لكنا نرى الخطب أهون؛ ولكنهم يصرون على العودة إلى ما أسسه المرشد من ضلالات في الجانب التربوي. وعلى القارئ أن يلاحظ أننا نستعمل لفظ "التربية"، ونتحاشى لفظ "التزكية" المشروع؛ لا تهاونا منا في التعبير، ولكن إنكارا لوجود التزكية لدى هذه الجماعة ومثيلاتها. أما التربية فهي لفظ عام يشمل التزكية، كما يشمل التدسيس، ويشمل التنشئة على الإيمان، كما يشمل التنشئة على الكفر والنفاق!... ولقد كان حريا بمريدي الإصلاح من جماعة العدل والإحسان، أن يخرجوا من التدسيس الذي يدل عليه قول الله تعالى: {وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس: 10]، بدل أن يريدوا مزيد الغوص فيه. وذلك لأن كل ما يستندون إليه من كلام المرشد، هو إمعان في الضلال لا غير؛ كقوله بتخصيص ثلاثة أيام لمعرفة "الإشارة الإلهية" الدالة على خليفته. وقبل أن نتكلم عن أي شيء آخر: ما الذي جعل المرشد يقطع بأن الإشارة إلهية لا شيطانية؟... ثم ما الدليل من الشريعة على انحصار الإشارة الإلهية في ثلاثة أيام؟... فإن كان يتأول قول الله تعالى بشأن زكريا عليه السلام: {قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا} [آل عمران: 41]، فهو تحكم مذموم؛ لأن آية زكريا ربانية من جهة، ومخصوصة به من جهة أخرى. والخاص من القرآن، ينبغي أن يبقى على خصوصيته؛ وإلا صار المعنى محرفا!... ثم ما الداعي لأن يكون لعبد السلام ياسين خليفة؟... فهل الأمر تركة شخصية؟... لم يكن له أن يتكلم عن خلافته من الأصل، ما دام غير متحقق بالربانية. والرباني نفسه، إن كان من الأكابر لا يتكلم عنها، لأنه يتأدب مع ربه "الوارث". ومن يُسميه الناس خليفة في الولاية، ليس خليفة إلا بالمعنى المجازي وبالإلحاق التربوي. وأما بالحقيقة، فإن كل ولي ينال ولايته من الله الولي، لا من شيخه. وإذا كان الأمر في التشيُّخ هكذا، فلا مجال لإطالة الكلام في إنفاذ وصية المرشد أو في عدم إنفاذها!... وما أتيت الأمة بأسرها إلا من القول بالولاية (بالمعنى السياسي)، ومن القول بالوصية!... فهل يريد أصحابنا من جماعة العدل والإحسان، استنساخ أسباب الفرقة التي ظهرت في الأولين اليوم؟!... وبدل أن يحتكم أتباع العدل والإحسان إلى آراء المرشد، فعليهم أن يعملوا على الاحتكام إلى الله ورسوله. يقول الله تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء: 59]. والرد إلى الله والرسول، ليس هو دائما الرد إلى ظاهر نصوص القرآن ونصوص السنة؛ لأن الناظر في النصوص قد لا يكون على نور، فيظن أنه قد رد الأمر إلى الله والرسول، وهو لم يخرج عن هواه قط. فيبقى الرد إلى الله ورسوله بالمعنى الصحيح التام، هو الرد إلى الرباني في الزمان. وقد بيّن هذا الأصل كبير الربانيين في زمانه: عليّ عليه السلام، حينما قال في مسألة التحكيم: [إنا لم نُحكِّم الرجال وإنما حكَّمنا القرآن!... وهذا القرآن إنما هو خط مستور بين الدفتين، لا ينطق بلسان، ولا بد له من ترجمان؛ وإنما ينطق عنه الرجال. ولما دعانا القوم إلى أن نُحكِّم بيننا القرآن، لم نكن الفريق المتولي عن كتاب الله تعالى. وقد قال الله سبحانه" {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ}] [نهج البلاغة، الخطبة: 125]. وهذا يدل على أن ترجمان القرآن في زمانه، كان عليا عليه السلام!... ويدل على أن للقرآن في كل زمان ترجمانا. فمَن من الناس، عندما يريد بلوغ معانيَ القرآن، يقصد لها الترجمان؟!... بل مَن مِن علماء أمة الإسلام، يؤمن بوجود الترجمان؟!... فإن غاب الإيمان، بهذا الأصل الأصيل، والركن الركين، من الدين؛ فماذا يبقى منه؟!... وإلى أين توصل طريق لا يدل عليها ترجمان القرآن؟!... وأما اشتراط استقالة القيادة كلها، فلا يوصل إلى المراد؛ لأن القيادة الجديدة، قد تكون أسوأ من التي قبلها. وفي الغالب، هذا هو ما يحدث مع الجماعات التي لا تتبع الربانيين. والقيادة الموجودة الآن، على سوئها، نراها قد حصرت هذا السوء في الجانب السياسي، عندما غاب فيها من يدّعي الإمامة في التزكية!... وعلى كل حال، فهذا أهون من ادعائها من غير أهلية!... والذي كان حريا بمريدي الإصلاح، هو أن يعيدوا النظر في المنهج، قبل تحميل القيادة تبعات النتائج. وحتى السياسيون من قيادة العدل والإحسان، والذين يغلب عليهم المنطق الحزبي، لا ينبغي أن يُرمَوْا بالشناعات من دون تحرّ. وحتى لا يتلاعب الشيطان بكل أفراد الجماعة، فإننا ندعوها إلى عقد مؤتمر لمجلس الشورى لديها، يتلوه مؤتمر عام، إن استطاعوا؛ لتوضيح ما تحوم حوله الشبهات من أمور ومن معاملات. وندعوهم إلى إلغاء كل قرارات الفصل التي قد اتُّخذت في حق من له سابقة في الجماعة، حتى يكون عونا لهم على التصحيح. وعلى رأس من تنبغي إعادة الاعتبار إليهم، الأستاذة ندية ياسين كريمة المرشد، التي ظلمت ظلما كبيرا من قِبل الخصوم كما من قبل الأصدقاء. وبتفريط الجماعة في قيادية محنكة كالأستاذة ندية، فإنها قد فرطت في طاقة سياسية فريدة، كنا نرجو أن تنفع بلدها، وإن كنا لا نوافقها على كل آرائها. ج. عدم التنبُّه إلى الأخطاء التربوية، والتي تستدعي: - التخلي عن جميع الوظائف (الأوراد): ويشمل ذلك التخلي عن ورد قيام الليل، مع الإبقاء عليه سنةً، بحسب الاستطاعة لمن شاء. ومطالبتنا بالتخلي عن قيام الليل، هو من مبدأ يعمل عليه أئمة الطريق، وهو أن ورد الصلاة من النافلة، لا يكون إلا للكُمَّل من الرجال. ولم نسمع بأحد من شيوخ التزكية جعل ورد تلاميذه من الصلاة!... أما الصلاة المفروضة والمسنونة، فإنها لا تدخل في معنى الورد بالاصطلاح. وإنّ تطاول المرشد على ما كان خصيصة للصحابة حال فرض الله قيام الليل عليهم، لم يكن من السنة في شيء؛ لأن السنة لها أحكام تنبني عليها، ولا تُؤخذ اعتباطا... وإلا، لما احتاج الناس إلى شيوخ يدلونهم على ما يصلح لهم من أعمال؟!... والبصير من أهل السنة، هو من يعرف سنة الوقت، كما عَرف قبل ذلك واجب الوقت. ومعرفة هذه الأمور من الدين، هي ما يُعوز المتأخرين، الذين ظنوا أنهم باطلاعهم على السنن في الكتب، يتمكنون من الأخذ عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيها؛ وهيهات!... فالكتب تبقى كتبا، والرجال تظل رجالا، والنفوس لن تزال حاضرة!... وما سمعنا بمن يتخذ كتابا إماما، إلا من كان الشيطان إمامه!... - التخلي عن ذكر الأوراد الخاصة: ونعني بالأوراد الخاصة، كل صيغة خاصة من الأذكار، كما نعني الأعداد الكبيرة من الأذكار العامة؛ لأنها تصير خاصة بالعدد. وعلى رأس الأذكار العامة التي ينبغي إعادة النظر في عددها: "لا إله إلا الله"، و"سبحان الله"، "ولا حول ولا قوة إلا بالله"، و"حسبنا الله ونعم الوكيل"، إلى غير ذلك، مما تزخر به كتب السنن. وفقه الأذكار فقه خاص، يغيب عن إدراك الفقهاء؛ وبالتالي يغيب عن المتشيّخين غير الكمّل. وأذكر هنا حكاية سمعتها من أحد الأشخاص من الرعيل الأول في جماعة العدل والإحسان، كانت له جراءة على دين الله: وهي أنه قام ذات مرة يذكر باسم من أسماء الله، من نفسه، فكأنه شعر بما يُشبه التنبيه، فتمادى؛ فانتهى به الأمر إلى سماعه لحائط سور صغير كان يحيط ببيته، وهو يكاد ينهد؛ فتوقف مرغما... ولقد سمعنا عن كثيرين من أتباع الجماعة، أنهم أُصيبوا في عقولهم بسبب خلطهم للأذكار، وذكر ما لا إذن لهم فيه؛ ولقد كان يُقال عن بعض هؤلاء مكابرة: لقد أصابتهم جذبة!... وما أصابهم إلا المس. وممن سمعنا عنهم هذا، أحد أكابر الجماعة المعروفين... وقد كنا نحن نرى هذا عيانا على بعضهم، وهم لا يشعرون!... ومما نذكره في هذا الباب، إخبار أحد تلاميذنا ممن جالسونا بالشام؛ والذي كان له اتصال بإذننا بعالم الجن؛ قال: إنه ذات مرة جاءه أحد اليهود من الجن الشباب، والذي كان عمرهم يبلغ مائتي سنة أو يزيد. وجاء إلى صاحبنا يريد الإسلام هو ومن وراءه من عائلته التي تشمل أباه وأمه وإخوته؛ فقبلناهم إخوانا لنا في الإسلام. ومما أخبره به هذا الجنيّ، مما شد انتباهه، هو أن الجن لم يكونوا يتمكنون من الاقتراب ممن يذكرون وردنا. وهذا ما ينبغي أن يكون عليه كل الذاكرين للأوراد الخاصة، إن كانوا على إذن فيها... ومن شأن من يلبسهم المس من جراء الأذكار، وجودهم لقوة بدنية تفوق قوة البشر في العادة. فهم يتحملون المشاق من سجن وتعذيب بسهولة. ثم إنهم يجدون مقدرة على عدم النوم، قد تستمر أياما. لكن أسوأ ما يحدث لهم، هو مشاهدتهم للجن يتمثلون لهم في صور الأولياء الماضين والمعاصرين. وتجد الواحد منهم يخبر بما يرى، وهو لا يشك فيه. وقد التقينا أحد الأشخاص بمدينة وجدة كان على هذه الحال، فأخبرناه بحاله، وأخبرناه بأنه لن يصدقنا في كلامنا. فأجابنا بالموافقة، وبأنه لا يُصدق ما نقول له... وهذا الصنف من الناس، قد يزيد به الأمر إلى أن يدخل في الشرك عقيدة وعملا، لأن الشياطين لا يقنعون من الناس بعيشهم في الخيال والهلوسات. هذا، أو تذهب عقولهم بالكلية!... ويدخل في معنى الذكر الذي يجب تركه، ما جمعه حسن البنا لجماعته في "المأثورات"؛ لأن المواظبة عليه يوميا يُدخله في الأذكار الخاصة، وهو لا إذن فيه. كما يدخل فيه ما يتوارثه المتصوفة عن الشيوخ الأُول، ويظنون أنه مما ينفردون به عن عموم المسلمين. وكل هذا، قد ينقلب على أصحابه ظلمة تخالف الأصل من الذكر. - التخلي عن الأعمال مجهولة الأصل والغاية: ويدخل في هذا الصنف، المظاهرات والوقفات الاحتجاجية، وما يجري مجراها؛ لأنه لا يُدرى في غالب الأحيان مآله؛ ثم لأنه ليس من سنن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولا من سنن الخلفاء. وأقصى ما يكون من هذه الأمور، هو اجتماع المسلمين لما يهم دينهم ودنياهم، وبعث البعث منهم إلى الحكام في شأن ذلك؛ إن كان الأمر مما له صفة عموم النفع للمسلمين. أما المعارضة السياسية لحكام المسلمين، فهي من السنن الكفرية، ولا تمت بصلة إلى الدين. وكل هذا الذي نقوله، لا يمنع أحدا من الأمر بالمعروف ومن النهي عن المنكر، في الحدود المشروعة. وقد دخلت جماعة العدل والإحسان في كثير مما هو من الأعمال البدعية المنكرة، ووصل بها الأمر مع جهل الأتباع، إلى اعتبار ذلك من أكبر القربات بزعمهم!... ومما تنبغي العودة عنه أيضا، موافقة اليساريين على ما هم عليه، مما يُخالف أصل التشريع؛ لأنه إعانة من الجماعة على الفسوق والعصيان، إن لم يكن إعانة على الكفر. وليس الأمر منوطا بمقدار إعانة اليساريين للجماعة على مرادها، كما قد يُفهم من بعض كلام المرشد نفسه؛ ولكنه منوط بأصلَيْ النور والظلمة. ولقد كان الأولى بالجماعة أن تنصح لليساريين، حتى يرجعوا إلى الإسلام النقي، الذي ينفر منه معظمهم بسبب جهلهم به، لا لسبب آخر معتبر!... وعلى كل حال، فإن المجتمع المغربي مجتمع مسلم، كان جل أهله في الماضي القريب يعيشون على التقوى مع فقر معظمهم. ولقد كانت الكرامات من الله لهم شائعة إلى حد التواتر. وإن الأمر ما زال قريبا، بالنظر إلى من تنكبوا عن السبيل؛ وإن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر. ووالله لو علم اليساريون، ومن هم عقلاء راجحو العقل، ما في الدين من الفوائد والمنافع، لسبقوا إليه كثيرا من الإسلاميين، والغالبية منهم سفهاء الأحلام. لكن الأمر في الدين بالرغم من هذا، ليس بقوة العقل وحدة الذكاء، كما يظن ذلك الكثيرون؛ وإنما هو باتباع الشريعة، بفهم وبغير فهم. لهذا، سنجد في الآخرة أغلب عمار الجنة من البله، كما أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: «أَكْثَرُ أَهْلِ الْجَنَّةِ الْبُلْهُ!» [أخرجه البزار عن أنس رضي الله عنه]؛ كما سنجد شطرا من أهل النار من النبغاء والفطناء. كل هذا ليعلم الناس أن الأمر لله من قبل ومن بعد، وفي جميع الأحوال!... وما أكثر ما يلبس الشيطان على الناس في هذه المسألة!... ومما ينبغي تركه، انفراد قيادة الجماعة بالرأي، فيما هو من شؤون المسلمين العامة في المغرب. وقد كنا ننتظر منهم استشارتنا فيما نحسب أننا نحسنه، كما كنا ننتظر استشارة كل أهل الرأي من المغاربة؛ ولكننا وجدناهم على عصبية مخيفة... وليس لجماعة من الجماعات، ولا لأحد من الأشخاص هذا الانفراد. كما أن من الواجب على كل ذي رأي معتبر، ألا يتجاوز السلطان بالمشورة؛ لأن السلطان يبقى على كل حال ناطقا باسم عموم أهل البلد. ولو أن أهل الدين حرصوا على هذا الأصل في معاملة السلاطين، لجُنِّبوا كثيرا من الفتن ومن البلاء. ومما كنا لا نوافق عليه الشيخ محمد بن عبد الكبير الكتاني رضي الله عنه، وهو من هو في المعارف والعلوم الدينية، مخاطبته لسلطان زمانه بما لا يليق، على الملأ؛ حتى عرّض نفسه للبلاء الشديد، ومات رضي الله عنه شهيدا تحت السياط. ولقد خرج عبد السلام ياسين أيضا، عما يليق بمخاطبة السلطان، فأصابه ما أصابه من البلاء. وعلى كل حال، فإن الفقه المتعلق بمعاملة الملوك والسلاطين، فقه ضامر لدى علماء الأمة؛ وقد أدى ضموره إلى فتن كبيرة، نرجو من الله أن نشهد آخرها في زماننا. ومما تجدر الإشارة إليه، هو أننا لا نوافق بكلامنا هذا متملقة الفقهاء، الذين كان ضررهم أبلغ من الناصحين الجاهلين، بهذه الأحكام؛ ولكننا ننطلق في هذا من الشريعة وحدها، وإليها نعود. وهذا يعني أننا كما نحرص على نفع عموم المسلمين، فإننا نحرص على نفع السلاطين من كونهم آحادا من المسلمين. ولسنا -بحمد الله- ممن يحسدهم على دنيا أوتوها، ولا ممن يريد لهم غير النجاة في الآخرة. هذا، رغم عدم فهمهم عنا لزمن طويل، ورغم قياسهم لنا على غيرنا؛ غفر الله لنا ولهم!... د. تحريف معنى الصحبة مرتيْن: الصحبة من المعاني المبهمة عند عبد السلام ياسين، وإن كان قد استند فيها إلى أقوالٍ لبعض مشاهير الصوفية. وهو لو أنه كان يعلم حقيقة الصحبة، ما جعل نفسه مصحوبا للناس؛ لأنه لا هو كان على نهج الصوفية فيها، ولا هو خرج عنها حتى يكون سالما من تبعاتها؛ وإنما خلط بين مظاهر صوفية، وكثيرٍ من التحزب السياسي، فأنتج خلطة مسمومة، ما رأيناها نفعت أحدا؛ بل كل من خلَّفهم مرشد الجماعة بعده، ما أخذوا عنه إلا الجرأة على الله ورسوله، وتقمص الأقوال والأحوال زورا. ومما يؤكد أن المرشد لم يكن على رأي معتبر في مسألة الصحبة، هو إنكاره على الصوفية، وهم أعلى منه مقاما في طريق التزكية. وما كان إنكاره عليهم، إلا كقاطع غصن الشجرة الذي يمتطيه!... فهذا كله من التحريف الأول للصحبة لدى الجماعة!... ولا ينبغي لأحد أن ينخدع بتقمص عبد السلام ياسين لأقوال الجيلاني والرفاعي رضي الله عنهما، لأن ذلك أسلوب المدلسين؛ وقد سبقه في هذا السوء ابن تيمية الذي ما زال شطر من الناس لا يشكّون بأنه كان مقرا للتصوف الصحيح، منكرا للتصوف البدعي؛ مع أنه من كبار أهل الضلال في أمتنا. ونحن دائما كنا نقول لمن يجالسنا: لأن تكون مسلما عاميا، خير من أن تكون متصوفا ضالا!... وليُقَس على المتصوفة جميع الفرق والطوائف!... وأما التحريف الثاني، فهو ما أفصح عنه مجلس الإرشاد، بعد وفاة المرشد، وعندما علم أنه ليس من بين أفراده من يكون من مرتبته، رحمه الله؛ ولعلنا سنعود فيما بعد إلى تبيين مرتبة عبد السلام ياسين، وما كان ينبغي عليه أن يلتزم به... فتفتق ذهن المجلس عما لا يكون إلا من فتوى إبليس، وهو القول بـ "الصحبة في الجماعة". ولا يعنون إلا أن يبقى أتباع الجماعة محافظين على ما لُقِّنوه من معنى الصحبة مع المرشد، لكن في هذه المرة باستبدال مجلس الإرشاد كله، بشخص المرشد. وكأن المصحوبين في الجماعة قد أصبحوا كثيرين، وهو ما يخرج بالصحبة إلى ما ليس من معاني الهدى؛ بل إلى ما يُنتج الشرك في التربية. ولو أن كبار أتباع عبد السلام ياسين، كانوا يعلمون معنى الصحبة في الأصل زمن المرشد، ما كانوا يخرجون إلى هذا المعنى المخالف لكل علماء التزكية. بل إن وحدة الشيخ في الوقت، لدى المريد، هي ما يزج به في غمار التوحيد الخاص!... وهذا يعني -ونحن على يقين مما نقول- أن مجلس إرشاد الجماعة، لا يجاوزون في الظاهر التوحيد العام؛ وإن كان هذا التوحيد العام نفسه منخرما لديهم، بسبب إدخالهم فيه ما ليس منه. وهذا من النقص الذي يصيب أهل مرتبة الإسلام، عندما يزيدون فيها ما يظنونه من مرتبة الإيمان، وهو ليس منها؛ كما يحدث لأهل الكلام وكل من يتوهم أن العقيدة تُدرك بالعقل... وهكذا، فإن الصحبة التي يتشدق بها أتباع الجماعة، قد تكون صحبة إبليسية عند غياب الرباني فيهم. وكل من يصر على ما هو عليه من جهل وجهالة، فإنما يُنبئ عن استحواذ الشيطان عليه فحسب. وهذا لأن السبيل معلومة منذ الجيل الأول من الصحابة، وإلى زماننا؛ فلا سبيل لأحد بالقول فيها بما هو مستحدث غريب. يقول الله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف: 108]، ويقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ، فَهُوَ رَدٌّ!» [متفق عليه عن عائشة عليها السلام]؛ ومعنى ردّ، أي مردود غير مقبول. وعليه فإن معنى الصحبة لدى جماعة العدل والإحسان، هو معنى بدعي لا ينطلي إلا على من غلب جهله، وغلبت ظلمته. وهو لا يُنتج لأصحابه، إلا الظلمة وما يكون في معناها، من صنوف الشرك الدقيق، الذي قد لا يشعر به أصحابه. ونحن نؤكد، على أن معنى الصحبة البدعي هذا، معنى مخالف لما درج عليه أهل الطريق طيلة كل القرون السابقة!... ولعلنا سنعود إلى ذكر الأسباب التي جعلت شطرا من الناس يتبعون عبد السلام ياسين في البدعة، وهم يتوهمون أنهم على الصراط القويم... ه. عدم الانتفاع من توجيهاتنا المـُعلنة للعموم: نحن منذ أن بدأنا نخاطب العموم، لم نستثن جماعة العدل والإحسان من نصائحنا التي نحسبها خالصة لله؛ لكن الجماعة في المقابل، لم تُشعرنا بأن الأمر دين يجمع بيننا وبينها، إلا ما كان من تواصل قليل يكتسي صبغة الشخصانية، ولا يخرج عن دعوتهم غير المباشرة لنا، على عادتها؛ وكأنها على الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. ولقد كنا نأسف، ونتظاهر بأننا لا نعي أبعاد ذلك التواصل؛ حتى لا ندخل فيما نستحيي من إتيانه مع أهل الدين، أو نحرج مخاطِبينا بسماع ما لا يطيقونه من حق مخالف لما عندهم. وهذه الآفة تعم جل الإسلاميين من جميع الأصناف، من دون أن يراجعوا ما هم عليه، على نور من الله والشريعة. فالمتسلفة إن نظرنا إليهم، نجدهم يعدون أنفسهم خواص المسلمين بلا منازع؛ والإخوانيون (الإخوان وما تفرع عنهم) أيضا يحسبون أنفسهم ورثة الصحابة والتابعين، وإن كانوا يُقرون بالدخول فيما لم يكن عليه الأولون، وما يعدونه هم تجديدا في الدين، من تسييس للدين مشبوه. والجميع، من هؤلاء وأولئك، لا يشعرون أنهم إنما يعكسون في البداية، نواقص العقل العربي، ثم بعد ذلك الشوائب التي دخلت على الدين مع القرون... فالعقل العربي، لم يكتف بما يكون عليه العقل المتخلف في معتاده، وإنما زاد عليه بما رسّبته فيه النزعات الطائفية والمذهبية؛ وكأن التخلف كان محتاجا إلى غراء قوي يضمن استمراره في أمتنا، ويقاوم جميع دعوات التغيير... وجماعة العدل والإحسان، لم تكن بدعا من مثيلاتها في عالمنا العربي، ولم تخرج عما كان عليه المجتمع المغربي بعيد إعلان الاستقلال. فهي في الآن ذاته، حافظت على التديُّن التقليدي، الذي يهيمن عليه الفقهاء ومَن تحتهم من القُرّاء، من جهة؛ ودعت إلى تغيير لا يكاد يُعلم منه إلا معارضتها للنظام، من جهة أخرى. وهذا الخلط في النظر والتنظير، لم يكن لينتشر بين عموم المغاربة، إلا مع الجهل بالدين، ومع الجهل بالواقع وبالسياسة. ولهذا السبب، كان أتباع جماعة العدل والإحسان يعتمدون العصبية للمرشد وللجماعة، أكثر من أي شيء آخر. وبما أن الأستاذ عبد السلام ياسين، كان يهدف إلى استيلاءٍ على الحكم سريع، من دون اعتبار مقدمات تاريخية ومنطقية، إلا ما يكون من خصوصية له في نفسه، عمي بها هو ذاته وأعمى أتباعه؛ فإنه أغفل أمريْن ذوَيْ بال هما: مدى ضبطه لأتباعه من جهة، ومدى منعته عن عبث المخزن بجماعته من جهة أخرى. وما زلنا نذكر جلسة لنا منذ سنوات طويلة مع بعض أتباع العدل والإحسان، أومأنا إليهم فيها إلى إمكان اختراق كل الجماعات، من دون أن نؤكد على ذكر جماعتهم بوجه التخصيص؛ ومع ذلك، نذكر أن أحد الجلوس لم يطق تلميحنا، وقام بصورة تخلو عن الأدب وسار بعيدا. أما نحن فكنا نعلم منذ البداية، أن جماعة العدل والإحسان (وحتى قبل تسميتها بهذا الاسم)، لن تكون في مأمن من أيادي المخزن، لسببيْن رئيسيْن: الأول: هو اعتمادها العصبية في تماسك أتباعها، بدل اعتماد العقلانية؛ أما النور فقد كان يغيب عنها منذ البداية. والنور يغني عن العقلانية وعن العصبية معا. ولن ندخل في تفاصيل البرهنة على ذلك، لأنه لا يدخل ضمن غرض هذه الرسالة؛ وإنما ذكرناه للتنبيه فحسب. الثاني: وهو خبرة المخزن في اختراق كل التجمعات في المجتمع المغربي، بالاعتماد على الشخصية المغربية، القابلة للتوظيف في الاستخبارات بأقل الضغوط وأقل الابتزازات؛ بل بأقل الإطماع، فيما لا مطمع فيه من طريق القانون والجدارة. لذلك، فنحن كنا نحسب حساب اختراق المخزن للعدل والإحسان، منذ عهد المرشد وإبان قيادته. وأما الآن فالأمر لا يخفى عن بصر!... ولقد خبرنا طريقة المخزن في الهيمنة على الجماعات، عندما أسَّسنا "الطريقة العمرية"؛ مع أننا كنا نعلن عن رفضنا للعمل السياسي، من منطلق أنه يُفسد العملية التربوية التي كنا نتغياها. ومع أننا لم نطمع في أكثر من استقلالنا في التوجيه التربوي، بالإضافة إلى أننا كنا لا نزال جماعة صغيرة العدد جدا، بسبب حرصنا على الوجهة الربانية الخالصة؛ فإننا لم نلبث أن وجدنا أصابع المخزن تنطبق علينا من الداخل، وعبر الأشخاص الذين كان يُفترض أن يستمعوا لتوجيهاتنا، لا لتوجيهات "المقدم" و"القائد" (والتسميتان لمرتبتيْن في أسفل ترتيب وزارة الداخلية المغربية). وهكذا، فإننا وجدنا أتباعنا المغاربة المزعومين، من الداخل والخارج، ينتظمون في شبكة مخزنية، تريد ألا تترك لنا من الطريقة العمرية إلا الرئاسة الشرفية الجوفاء، كما هو شأن كل التجمعات الدينية والسياسية. فلم يكن منا، ونحن من أسسنا طريقتنا لنفع المسلمين، إلا أن حللنا الطريقة وأعلنا المرور إلى "العمرية للتجديد الصوفي"، والتي هي جماعة غير منظمة وغير مقيدة؛ تقبل كل مسلم انضم إليها وفق شروطها؛ وبهذه الطريقة، تجاوزنا المخزن. وإن كان المخزن، لم يتركنا في حالنا ونحن جماعة صوفية، لا تشتغل بالسياسة، فكيف سيترك جماعة عبد السلام ياسين وهي تزاحم الملك في أخص اختصاصاته!... ونحن عندما نتكلم عن المخزن، فإننا لا ننصب نفسنا خصما له، بقدر ما نريد أن ننبهه إلى أخطائه الجسيمة في معاملة ذوي النوايا الحسنة من المغاربة. فلو لم نكن نعلم أننا كنا على نية حسنة، ربما لظننا أحقية المخزن في التضييق على من ضيَّق عليه؛ ولكننا جربنا تضييقه منذ شبابنا، وحتى قبل تديننا، بما لا يقبله عقل، وبما يدفع بالكثيرين ممن لا يحتملون معاملته، إلى جهة المعارضة الراديكالية. ولولا أننا لم نكن نأبه للدنيا برمتها، ما كنا نحتمل من المخزن سوء معاملته المتكررة، والمبنية على الرؤية المتخلفة فحسب!... نريد أن نخلص من كلامنا هذا، إلى احتمال أن يكون المخزن قد وصل إلى المحيطين بالمرشد قيد حياته، وأن يكون قد توصل مع بعضهم -على الأقل- إلى توافق يرسم خطة سير الجماعة، على الخصوص بعد رحيل المرشد رحمه الله. ونحن دائما كنا نشهد للأستاذ عبد السلام ياسين بمنعته في نفسه، عن تلاعب المخزن به؛ ولكننا في المقابل لا نكاد نضمن غيره. أما الأستاذ عبادي، فهو منزه في نظرنا عن تعمد الدخول في الصفقات المشبوهة، ولكنه غير منزه عن الوقوع تحت تحكم المتحكمين بسبب القصور في التخصصات التي يتطلبها العمل السياسي، في مثل بلادنا. ولو أن الأمين العام، وهو اللين الهين، كان له من الشجاعة ما يفرض به الحق على قيادة الجماعة، لرجونا أن يُسهم في تلاقي الصف الإسلامي على الإسلام؛ ولكن الأمر -على ما يبدو- بعيد المنال الآن، ومعقّد المسالك والسبل، إلى حد يفوق التصورات... 5. ما للجماعة وما عليها: (يتبع...) |