انتهاء الاعتصام بعد
1255
يــــــوم
بسم الله الرحمن الرحيم. يُنهي شيخ الطريقة العمرية عبد الغني العمري الحسني، إلى علم الرأي العام، ومن بعده إلى علم أتباع الطريقة العمرية في أنحاء العالم، أنه: 1. قد عزم على إيقاف اعتصامه مع عائلته داخل بيته نهاية يوم الثلاثاء 15-5-2018م، بمناسبة حلول شهر رمضان الكريم لعام 1439ه. وللإشارة، فإن هذا الاعتصام قد بدأ يوم الاثنين 8-12-2014م، واستمر طيلة 1255 يوم. 2. سيغادر مدينة جرادة التي كانت محل اضطهاده وعائلته من طرف السلطات المحلية والأجهزة الأمنية، مع توظيف الأوباش والسفهاء من أهل المدينة في هذا العمل الشنيع. وسيكون مقر الشيخ المقبل إن شاء الله بمدينة سلا، مرفوقا بجميع أفراد عائلته. حرر بجرادة ليلة الأربعاء: 16-5-2018م. شيخ الطريقة العمرية: عبد الغني العمري الحسني
Translated
Sheikh's Books |
2022/09/29
حتى لا تكرر جماعة العدل والإحسان أخطاءها -6-
(تابع...) 6. خاتمة: لا شك أن إخواننا في جماعة العدل والإحسان، يعلمون قيمة النصيحة في ديننا، ويعلمون ضرورتها... لذلك فإننا نرجو منهم أن يتقبلوا كلامنا بحسن الظن وبتغليب المصلحة العامة على الخاصة، إن كانت لهم بقية من عقل، وإن كان في الأمر مصلحة خاصة؛ وهو ما لا نقر به، بحسب تعريفنا السابق للمصلحة. ولنُجمل ما دفَعَنا إلى النصح للجماعة فيما يلي: 1. خصوصيات: ا. إما... وإما...: بما أن جماعة العدل والإحسان تنشط في المغرب، فإننا نشترط عليها أن تكون عاملة على الرفع من المستوى العام المنحط، لا أن تكون على شاكلة الأحزاب السياسية التي عمقت تخلف البلاد. ونحن لم نتوقف في كتاباتنا عند الأحزاب السياسية المغربية، كما توقفنا عند الجماعة؛ لا لشيء، إلا لأن الجماعة دينية، وتزعم أنها على "منهاج النبوة" تعمل. فنحن لا نقبل أن تدعي جماعة (أو فرد من المعتبرين) العمل الديني، وهي مخالفة له في المنطلقات أو في الغايات. ولن نسكت على ما نراه من مخالفاتها، وإن وقع ما وقع!... ولو كانت قيادة الجماعة تحوز الحد الأدنى من الأهلية، لغيرت من مسارها منذ مدة، مع تنبيهاتنا الأولى لها؛ ولكنه ضعف الإدراك العقلي الذي يطبع مجتمعاتنا، قيادات وأتباعا؛ نخبا وعوام!... لهذا، فإما أن تعود جماعة العدل والإحسان إلى الحق الآن، وقد انتظرناها طويلا؛ وإما أن نبقى متابعين لها، ومنتقدين لمخالفاتها، كلما وجدنا وقتا لذلك وداعيا. ولا نظن أن إخواننا سيغيب عنهم مقدار تعبنا نحن في ذلك، ومقدار عنائهم هم منه!... وعلى كل حال، كان الأولى بنا جميعا، التعاون والانسجام، بدل الصراع والانقسام!... ونحن في النهاية، ننتظر أن تعمل الجماعة -وكما هو المظنون فيها- على جمع الصف الإسلامي المغربي كله؛ ليتحمل كل منا في ذلك ما يجب من مشاق، وهو شاكر لتوفيق الله؛ لأننا سنكون قد أرضينا ربنا، وقمنا جميعنا بواجبنا، والمنة في ذلك لله وحده. وبالنظر إلى الوضع الإقليمي والعالمي، فنحن لا ندعو إلى أقل من الوحدة الوطنية فيما بيننا الآن؛ حتى لا نُحرج من لا يتمكن من الخروج عن حدودها، وحتى نضمن الحد الأدنى من الشروط الممكِّنة لنا من ضمان قوتنا واستمرارنا. وهذا، نحسبه أمرا هينا جدا، إن توافرت النيات وخلص العمل لله... ب. فيما يخص العمل الإسلامي المغربي: ينبغي على جميع الجماعات الإسلامية، ألا تقبل العمل المنفرد المنوط بها وحدها؛ لأنه الآن يصب في مشروع الخصوم، ويقطع الطريق على التمكين للعمل بالشريعة. وهو قبل هذا دليل على الجهل وسوء الطوية!... ولهذا، فإن كل جماعة نراها ترفض الانخراط في العمل الديني الوطني، فعلى باقي الجماعات الأخرى ألا تتركها وشأنها، وأن تذلل لها الصعاب التي تراها مانعة لها، أو تأخذ على يدها بتبيين خللها وانحرافها. ويبقى الحوار بين الأفرقاء حتميا ومستمرا، إلى أن يولد الصف المسلم الموحد، والذي نريد له أن يكون تيارا لا جماعة أو جماعات. وهذه الأمور محسومة في الشريعة وتُدرك بسهولة كبيرة لكل سليم عقل منصف. نقول هذا، لأن الجماعات الإسلامية، عندما لم تجد ضابطا لها في عملها، فإنها أصبحت قابلة لأن يتلاعب بها المتلاعبون، ولأن يوظِّفها السياسيون الداخليون والخارجيون. والدين لا يكون هكذا أبدا، ولا يقبل إلا العمل الموحَّد!... يقول الله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [آل عمران: 103]. فيكون الاجتماع بين الأفرقاء الإسلاميين على هذا، واجبا؛ لا مستحبا فحسب. ولم نر من المتسلفة ولا الإخوانيين بله المتصوفة، من يدل عمليا على هذا الأصل، بسبب الغفلة العامة والمستحكمة، وبسبب التبعية في الرأي لهذه الجهة أو تلك... ولا يمكن أن يوصل إلى الاجتماع إلا انضواء الجميع تحت إرشاد جهة ربانية بالمعنى الصحيح للربانية. وهذا يقتضي بث العلم بالربانية في المعاهد والجامعات، حتى تتوحد الرؤى قبل العمل على تحقيق الاجتماع. ونحن عندما ذكرنا الوحدة الوطنية بين الجماعات الإسلامية، فإننا لم نكن نقصد أن تكون هي الغاية النهائية؛ وإنما أردنا أن تكون مرحلة، قبل الكلام عن وحدة الأمة. وهذا يعني أن العمل لا يؤخذ بالتنظير العام وحده، بل ينبغي على القياديين فيه أن يكونوا واقعيين، ومُدركين لواجب الوقت وترتيب الأولويات... ج. الاستقلال عن السياسات الدولية: لا شك أن عيب علماء الدين الأكبر اليوم، هو تبعيتهم لدول بعينها (دولهم)؛ والتي هي من تتحكم في آرائهم، وهي من توظف مواقفهم، وهي من تتولى الدفع لهم؛ حتى صار الأمر مكشوفا، وغير قابل لأن ينطلي على أحد من الشعوب المسلمة. وهذه الظاهرة جديدة على الأمة، لأن علماء الدين كانوا في الغالب مستقلين عن حكومات بلدانهم نفسها بله غيرها، إلى جانب كون الدول القطرية لم تكن قد ظهرت بعد بالصورة الراهنة. وقد كانوا -أي العلماء- في أحايين كثيرة يُظهرون معارضتهم لسياسة السلاطين، إن بدر منهم ما يخالف الشريعة مخالفة سافرة... هذا من حيث المبدأ العام، وإلا فإن الكلام عن صلة العلماء بالحكام يحتاج تناولا مفصلا، ليس هذا محله... نعم، إن الأوضاع السابقة من تاريخ الأمة، كانت أقرب إلى البساطة، بعكسها اليوم؛ وهذا، بسبب تداخل السياسات المحلية بالسياسات العالمية في زمن العولمة. وإن كانت هيئة كبرى -ونحن لم نوافق عليها منذ البداية- كالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين لا تخدم الإسلام، وإنما تخدم بتوظيف الإسلام الدول التي ترعاها، فما الظن بمن دونها!... ولقد أبانت خرجة الدكتور الريسوني الإعلامية في الآونة الأخيرة، عن عوار الاتحاد بأكمله: فالريسوني له مدة طويلة، وهو ساكت عما صرح به، لو أن الأمر كان قناعات علمية يرى ضرورة الإفصاح عنها!... وعلماء الجزائر وموريتانيا، لم يقوموا له ليردوه إلى الالتزام بأحكام شرعية واضحة المعالم، وتنفع جميع المسلمين؛ وإنما خرجوا خدما للحكم المحلي الذي يخضعون له، خالطين بين الوطنية والشرعية. وهكذا فإن ضعف الجميع من الناحية العلمية أصبح مكشوفا للعيان، ولا يقبل تماديا في استغفال الشعوب والتلاعب بمصيرها... ونحن نرى أن الكفر بالفقهاء المتاجرين، قد صار الآن من أوجب الواجبات!... فإن كانت الهيئات العلمية الرسمية وشبه الرسمية، على سعتها وشمولها، لا تمثل العلم الديني في شيء، فكيف سيكون حال الجماعات الوطنية، ذات الأغراض الضيقة، والتي تحكمها المآرب الشخصية في الغالب؟!... لقد اعتدنا في الأزمنة الأخيرة، أن نرى العالِم يلبس قميص الداعم له، على غرار الرياضيين؛ ولكننا إلى الآن، لم نشهد عالما قام ليقول ما يعلم أنه حكم الشرع الأصلي في المهمات، إن لم يكن قد أصابه عمى البصيرة من قبل... وقد يكابر بعض الناس، ويعاندوننا فيما أدلينا به، من باب المشاركة في اللعبة السياسية العامة من جهة أخرى غير جهة العلماء، أو من باب الانفعال للاستغفال الممارَس عليهم وعلى أمثالهم منذ عقود طويلة إن لم يكن منذ قرون!... وأما نحن فإننا ندلل على رأينا، بإتاحة القنوات الفضائية الكبرى، المملوكة للدول، لبعض الشخصيات المحسوبة زورا على العلم؛ حتى إن بعضهم كاد أن يسكن فيها من كثرة الظهور عليها. وهذا، مع منع تلك القنوات ذاتها، لأشخاص في الأمة مستقلين، منعا تاما. فهل هذه القنوات الفضائية، يُحكم بأنها عندما تأتي بالشخص، إنما تأتي به لعلمه (إن كان له علم) وحده؟ أم إن الأمر ينبغي الآن الإفصاح عنه، والقول بأنها (القنوات) إنما هي واجهة الجهة السياسية الحاكمة محليا وعالميا!... وهنا ينبغي أن نتحدث عن الشعوب المستقيلة، والتي تتظاهر بعدم معرفة حقيقة ما يجري؛ خصوصا وأنها تتوهم أن المسؤول عن هذا التخلف الشامل هم علماء الدين وحدهم. بينما الدين الإسلامي لا سلطة فيه لفقهائه، كما لدى الأمم التي سبقتنا في الانحراف؛ والحكم دائما وحصرا في مجتمعاتنا هو للشرع، الذي قد ينطق به العالم غير الرسمي، أو العالم المنبوذ، أو العالم المطارد والمحاصر، أو الفرد إن علم ما يخوض فيه؛ وما تكون عليه الجموع المتحرية والمؤمنة كلها!... ولقد آن الأوان، لأن تعود الشعوب إلى الحق، وإن بقي علماؤها في الصف المقابل؛ فإن الأمر قد أصبح لا مزيد عليه!... والجماعات الإسلامية كجماعة العدل والإحسان، إما أن تكون امتدادا للهيئات الرسمية كالاتحاد العالمي وغيره، من الناحية الفكرية (وهو الواقع)، وهكذا فإنها لن تتمكن من الإصلاح في مجتمعها مهما ادعت وزعمت؛ وإما أن تكون جماعة مستقلة تتحرى الحق، وهو ما كنا نرجوه منها منذ نشأتها، وما نرجوه لها اليوم. وهو ما لم يبدر منها، وما يجعلنا لا نستبشر بما نراه منها إلى الآن. وبسبب تراكم الإخفاقات وتوالي البلاءات، فإنه لم يبق أمامها إلا أن تقلل من الأضرار بحل نفسها، وعودة أفرادها إلى تصحيح تديُّنهم الفردي استعدادا للقاء ربهم؛ إن لم تجد الرغبة والقدرة على إحداث التغييرات المطلوبة. وهذا سيجرنا إلى الكلام عن خصوصية المرحلة التي نعيش... د. خصوصية المرحلة: لقد سبق لنا أن بيّنّا في كتابات أخرى أن المرحلة التي نحن مقبلون عليها من عمر الأمة، هي مرحلة الاجتماع بعد الافتراق الممكن. ومن لا يُدرك ما نقول هنا، فليعلم أنه لا يفقه شيئا في تاريخ الأمة ولا في الاستراتيجية العامة لذلك التاريخ، وفي الحتميات التاريخية المؤسَّسة على الأخبار الوحيِيَّة. ومن كان هكذا، فنحن ننصحه بحصر اهتمامه في شؤونه الخاصة، وبالامتناع عن الدخول في الاصطفافات الحادثة في الأمة؛ لأن ذلك لن يزيده ويزيدها إلا ضعفا. وعليه أن يعتبر مصلحته عند ربه، وأن يعتبر مصيره الأخروي، أكثر مما يعتبر شؤون الأمة وما يتعلق بالسياسات العامة والغايات السياسية. وهذه المصيبة هي ما أوصلت إليه توجيهات الجماعات الإسلامية الضالة، والتي أضرت بالشعوب ضررا قد يفوق ما لحقها من حكام آخر الزمان؛ وربما قد يفوق ضرر المستعمر نفسه!... وهذا لأن الشعوب كانت ترفض المستعمر في إجمالها، بينما هي تحسن الظن بهؤلاء الذين يتدثرون بدثار الدين!... وعلى من لم يتمكن من فهم معنى الاجتماع الذي نقصد، أن يعود إلى صدر الإسلام، حيث كانت الأمة واحدة موحّدة، يحكمها خليفة رباني يأتيها بالمدد النبوي طريا من منبعه السامي. وعليه أن يعلم أن الافتراق الذي حصل للأمة بعد الاجتماع، كان حكما مخصوصا بقرون (وُسطى) مخصوصة؛ ولم يكن حكما عاما ناسخا للاجتماع، كما يرى بعض المتعالمين من عمي البصائر. وهذا لأن الأمر بالاجتماع أمر رباني ورد في القرآن، ولا يقبل النسخ؛ خصوصا وأن الحكمة الإلهية القاضية بعودة الخلافة تعضده وتؤكد ثبوته. وهذا الاجتماع له مقتضيات وشروط، نرى أن علماء الدين إلى الآن لم يتمكنوا من تبيُّنها، وهي على الإجمال: العودة من المذهبية والطائفية، إلى الإسلام العام المشترك. وعندما نتكلم عن نبذ المذهبية فإننا لا نحكم ببطلان المذاهب (ما كان منها حقا)، ولكن نحكم برفع الحواجز المذهبية من بين الناس. وهذا أمر، قد يراه البعض نظريا ومثاليا، بعيدا عن الواقع؛ والأمر بخلاف هذا، هو حتمية تاريخية ولو ظاهريا، ليس بيننا وبينها إلا سنوات معدودة!... لقد سبق منا في كتابات أخرى، أن أعلنا الحكم بانتهاء الطرائق الصوفية، بسبب معاكستها للحتمية التاريخية القدرية التي أبرزنا معالمها باقتضاب في الفقرة السابقة؛ والآن نحكم بانتهاء الجماعات الإسلامية للسبب ذاته، علم أصحابها المنطق الذي نتكلم به، أم لم يعلموا. ونحن لم نعتد من العرب عموما ولا من المغاربة خصوصا، فهما لكلامنا سريعا، ولا قابلية مستجيبة لتغيير المسار؛ وهذا لأن التخلف العربي قد بلغ مداه عند اختلاطه بالجمود الديني وتأسُّسه عليه. وإذا سأل سائل: فما البديل عن هذه الكيانات السرطانية في جسد الأمة؟ من جماعات وأحزاب وجمعيات وطرائق؟... فإننا نجيب: التصحيح الآن في جميع المجالات، وعلى رأسها المجال الديني والسياسي، لا بد أن يتخذ صبغة التيار العام الكاسح. وهو المقدمة اللائقة بما سيتلو من توحد كامل مع حلول الخلافة الخاتمة بإذن الله تعالى. وهذا الصنف من العمل، لن ينتظر أن يُدرك المتخلفون أبعاده ومنطقه؛ وإنما سيأتي حين يحين الحين تيارا جارفا، يأخذ في طريقه الغثاء الذي صار مانعا لعيش الأمة دينها... ه. خصوصيتنا نحن: لقد اعتاد المتخلفون، على التعزز عند قرع الخطاب الإصلاحي لسمعهم، لأسباب منها أن زاعمي الخطاب الإصلاحي لم يكونوا إصلاحيين قط؛ وإنما كانوا يقصدون جمع السفهاء حولهم، لمغالبة غيرهم من قاصري العقول من أمثالهم فحسب. ولما كان الخطاب مغرضا، صار المخاطَبون بسبب جهلهم متعززين، كالمريض الذي يعلم أن طبيبه هو الطالب له، لمصلحة له في نفسه، أو لمنفعة له مع شركة الأدوية أو المصحة المقاولة؛ أو غير ذلك، مما أصاب مجال الطب من علل في زماننا!... وهذا الوضع غير أصلي، وإن كان جهلة الأتباع لا يعلمون غيره بسبب انحباسهم فيما يدركون من زمانهم وحده. لذلك، فنحن بعكس من تكلمنا عنهم، لا نحرص على استتباع أحد، ولا نقبل المساومة على الدين من أحد، وإن بقينا وحدنا!... إلى أن يأتي من هم جديرون بالعمل لله معنا، أو نموت على ذلك. ومن كان يظن أننا بإصرارنا على منهجنا، نخسر ما يظنه هو مكاسب وغايات، فإنه يكون واهما أشد الوهم... وهذا، لأننا لا نعتبر نفسنا ولا أغراضنا في الحق مقدار ذرة!... ولقد كان حريا بالأطراف الإسلامية في بلدنا، أن يعلموا ذلك علم اليقين بعد عقود من العمل الإصلاحي والتجديدي لنا؛ لا أن يبقوا منتظرين لمـَلَلِنا من عدم جدوى طريقنا دنيويا، وكأننا كنا منذ انطلاقتنا نقصد إصابةً لدنيا، أو إرضاءً لأهلها!... أو كأنهم شياطين متربصة تتنظر لحاق من تطمع في إضلاله، عند يأسه مما هو فيه من انسداد للأفق!... 2. تنبيهات نراها ضرورية: ا. الإنصاف: نحن نعلم أن شعوبنا المتخلفة، لا تُدرك الإنصاف في النقد. وهي قد اعتادت إما أن تقبل الأمور قبولا تاما، أو أن ترفضها رفضا تاما؛ وإما أن توافق غيرها على التمام، أو أن تخالفه على التمام. وهذا، أمر يعمّق من تخلّفها، ويبعُد بها عن مصلحتها، لو أنها كانت تعلم... ولعل القارئ سيلاحظ أن أسلوبنا الذي انتهجناه، هو أسلوب تفصيلي، نتناول فيه الأمور كلا على حدة، مع الحرص على عدم غش أحد... وإن هذا الإنصاف، مما نعمل على إشاعته في مجتمعاتنا، على قدر استطاعتنا؛ على صعوبة ذلك وعدم تفهم الناس له في الغالب... ب. اجتناب الأهواء: لقد درج الإسلاميون، فضلا عن غيرهم، على تحكيم الأهواء في أمورهم. وهذا قد جعل هذه الأهواء تصير منطقا متَّبَعا لدى الأتباع، بعكس ما يدل عليه الشرع. ولقد جعلت الأهواء الخروج من التخلف، أمرا صعب المنال؛ بل جعلت التلاقي مع من يُفترض أن يجمع فيما بينهم الدين، أمرا شبه محال!... والعجيب، هو نظرة القيادات الإسلامية ومِن بعدها الأتباع، إلى الأمر وكأنه الوضع الأصلي الذي لا تنبغي مخالفته وطلب الخروج منه؛ وهذا، أسوأ من اتباع الأهواء بالمعنى العام!... ج. اعتماد معيار الألم النفسي: إن كثيرا من الإسلاميين (وهم في هذا على ما عليه العوام من مجتمعهم) يقيسون الأمور بحسب ما يجدونه من راحة نفسية (إرضاء غرور أو ترسيخ أوهام، أو كسب مال)، أو من ألم في المقابل. وبما أن النصيحة مؤلمة للنفس في العادة، فإنهم صاروا ينفرون منها، من دون النظر في العواقب. وهذا لا يدل إلا على أن هذه العقول من أسفل طبقة عقلية!... لهذا، فنحن نرجو اليوم أن يتصدر الناسَ من كان أعقلهم، ومن كان بعيدا عن الإنصات لنفسه وشيطانه. بل إن طريق الألم على العموم، هي طريق الحق، لا غيرها. يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «حُفَّتِ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ، وَحُفَّتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ!» [أخرجه مسلم عن أنس]. والشهوات والمكاره، هي المعايير التي أشرنا إليها نحن في بداية الكلام. والذي ينبغي أن يكون، هو أن يكون المعيار الحق وحده، مع عدم التفات إلى غيره. على الأقل هذا ما ينبغي أن يمتاز به القادة عن الأتباع من العامة... والحق، لا يُعرف إلا من الحق الذي هو الوحي؛ أما ما يراه الناس حقا في نظر أنفسهم، وما تُنتجه أفكارهم، وبحسب مرتبة عقولهم، فليس هو الحق بالاصطلاح!... وهذه الآفة مما يشيع في المجتمعات المتخلفة كمجتمعاتنا شيوعا واسعا!... د. ولنبدأ من شمال أفريقيا: إن من ينظر إلى دول شمال أفريقيا اليوم، ويجدها وهي في حضن مستعمرها، معادية لأخواتها، وكأن كلا منها تنتمي إلى أمة مستقلة عن نظيرتها؛ يعلم أننا قد وصلنا إلى نهاية طريق الذل والهوان، وطريق السفه والفسوق. وما لم نتمكن من إرغام حكوماتنا على تصحيح أغلاطها الشرعية، فإننا نكون خائنين لهذا الوطن الكبير. وأما إن انخرطت الجماعات الدينية كلها، في تيار مُلغٍ لكل الفوارق المختلفة، لتنصهر كل الدول المغاربية في كيان أكبر يقوم على مصالح الشعوب المغاربية كلها، فإنها تكون قد آبت إلى الطريق القويم، في انتظار أن تلتحق بها أخواتها من جماعات المشرق العربي والإسلامي. ه. ما لا ينبغي إهماله: لا يجدر بنا أن ننشغل بما نسعى إليه من موافقة لشريعتنا، عما داخلنا من الآراء الشيطانية الدخيلة، والتي أصبحت لها قواعد شعبية تنافح عنها وتدعو إليها. وأول ما علينا التأسيس له في هذا المضمار، هو تبيّن هذه الآراء، وفصلها عن الأصول المعمول بها في مجتمعاتنا. وهذا أمر ليس بالهيّن، بعد أن استُعمرت من نخبنا العقول، واحتلت النفوس. ونحن قد كشفنا من الخطط والمنطلقات، ما نراه قابلا للبناء عليه عندما تخلص النيات وتصفو القلوب من كدر الفلسفات والأيديولوجيات؛ رغم أننا -ومن باب الصدق في الإنباء- ما زلنا نرى هذا الجانب ضامرا لدى نخبنا الإسلامية قبل غيرها. وعلى القيادات الإسلامية، أن تقرّ بأنها غير مؤهلة لمواجهة الفكر الشيطاني الدجالي، وهي تجتر كلام فقهاء من قرون غابرة بعيدة. وهذا مما لا ينبغي أن يختلف عليه اثنان، إن كنا نُدرك المتغيرات المرتبطة بالزمان، وبالتثاقف العام الحاكم على كل الحضارات الإنسانية. وعلى كل حال، فنحن لم نبغ بهذه الورقات زيادة معاناة الإسلاميين، عياذا بالله. ولم نقصد إلى التقليل من شأنهم، ونحن لا نرى على الأرض أحقر منا. وإن دعا الأمر إلى توظيف عبارات، قد لا تروق لإخواننا، فإن ذلك مما يخرج عن تحكمنا، عندما اخترنا الاحتكام إلى الحق بحسبنا. وفي الختام فإننا نرجو أن يكون مخاطَبونا أفضل مما ظننا بهم، وأن يغفر الله لنا ولهم، وأن يجمعنا على ما يرضيه سبحانه عنا بإذنه. وصلى الله وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه، والحمد لله رب العالمين. وفرغ من كتابته بسلا ليلة الثلاثاء فاتح ربيع الأول من سنة 1444ه/ الموافق لـ: 27-9-2022م. |