![]() انتهاء الاعتصام بعد 1255 يــــــوم
بسم الله الرحمن الرحيم. يُنهي شيخ الطريقة العمرية عبد الغني العمري الحسني، إلى علم الرأي العام، ومن بعده إلى علم أتباع الطريقة العمرية في أنحاء العالم، أنه: 1. قد عزم على إيقاف اعتصامه مع عائلته داخل بيته نهاية يوم الثلاثاء 15-5-2018م، بمناسبة حلول شهر رمضان الكريم لعام 1439ه. وللإشارة، فإن هذا الاعتصام قد بدأ يوم الاثنين 8-12-2014م، واستمر طيلة 1255 يوم. 2. سيغادر مدينة جرادة التي كانت محل اضطهاده وعائلته من طرف السلطات المحلية والأجهزة الأمنية، مع توظيف الأوباش والسفهاء من أهل المدينة في هذا العمل الشنيع. وسيكون مقر الشيخ المقبل إن شاء الله بمدينة سلا، مرفوقا بجميع أفراد عائلته. حرر بجرادة ليلة الأربعاء: 16-5-2018م. شيخ الطريقة العمرية: عبد الغني العمري الحسني ![]() ![]() Translated
Sheikh's Books |
![]()
2023/11/02
القضية الفلسطينية: من المنظوريْن: الديني والعقلي (6)
الفصل الخامس: أزمنة الشتات اليهودي 1. الشتات الأول والثاني (586 ق.م-313م): لقد أدى توسع الإمبراطوريات الكبرى المجاورة لمملكة إسرائيل، إلى استيلاء الأشوريين عليها سنة 722 ق.م، ثم بعد ذلك بحوالي مائة سنة، استولت مملكة بابل على مملكة يهوذا، وهدمت هيكل سليمان سنة 586 ق.م، وأجلت أغلب سكانها. وبهذا انتهى أول مجتمع يهودي في فلسطين، وأُجبر معظم السكان على النزوح إلى أرض بابل، والسكنى على ضفاف نهري دجلة والفرات. وكانت هذه بداية الشتات اليهودي، وكان هؤلاء اليهود المشتتون يتواعدون كل سنة على اللقاء في السنة المقبلة في أورشليم، ونسجوا حول ذلك القصص والأساطير والأمثال... ولنلاحظ هنا: - أن تسمية أرض الميعاد، مناسبة لزمان الخروج من مصر على أمل دخول فلسطين، حيث لم تكن إلا وعدا ربانيا بشروط. يقول الله تعالى: {یَـٰقَوۡمِ ٱدۡخُلُوا۟ ٱلۡأَرۡضَ ٱلۡمُقَدَّسَةَ ٱلَّتِی كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمۡ وَلَا تَرۡتَدُّوا۟ عَلَىٰۤ أَدۡبَارِكُمۡ فَتَنقَلِبُوا۟ خَـٰسِرِینَ} [المائدة: 21]. والقول المحكي هنا: قول موسى لقومه. والأرض المقدسة هي: فلسطين. ومعنى كتب الله لكم: أي جعلها لكم مسكنا. والارتداد المنهي عنه، قد أخذه بعض المفسّرين على ظاهره وهو عدم الدخول، بالاستناد إلى قوله تعالى: {قَالُوا۟ یَـٰمُوسَىٰۤ إِنَّ فِیهَا قَوۡمًا جَبَّارِینَ وَإِنَّا لَن نَّدۡخُلَهَا حَتَّىٰ یَخۡرُجُوا۟ مِنۡهَا فَإِن یَخۡرُجُوا۟ مِنۡهَا فَإِنَّا دَ ٰخِلُونَ} [المائدة: 22]؛ ولكن المعنى يشمل عدم الارتداد عن الإيمان أيضا، والذي سيقعون فيه بعد دخولهم الأرض المقدسة وعمرانها سنين عديدة. فلما ارتكبوا المنهيّ، وأصبحوا يدخلون في دين الوثنيّين، عاقبهم الله بإخراجهم من هناك، عن طريق تسليط الأشوريين والبابليّين الذين ساقوهم إلى أرضهم سوق العبيد؛ حتى سمي هذا العهد بالسبي البابليّ. وقد قام نبوخذ نصّر بإجلاء اليهود من فلسطين مرتين؛ مرة في عام597 ق.م، ومرة في عام 586 ق.م. وقد تمت العودة لليهود إلى أرض فلسطين مرة أخرى بعد سقوط الدولة الكلدانية على يد قورش الكبير حاكم فارس في ذلك الوقت، والذي وعد اليهود بالعودة إلى أرض فلسطين مرة أخرى. وكان ذلك بإيعاز من إستير البطلة التاريخية لليهود. ويعدّ بعض المؤرخين هذا العمل من قورش، بأنه وعد بلفور الأول، وهو الأمر الذي استند إليه بلفور في وعده لليهود فيما بعد؛ ونعني عند إرادته إيجاد منطق تاريخيّ للمسألة. وهذا الإفساد المتكرر من بني إسرائيل هو ما دلّ عليه قول الله تعالى: {وَقَضَیۡنَاۤ إِلَىٰ بَنِیۤ إِسۡرَ ٰءِیلَ فِی ٱلۡكِتَـٰبِ لَتُفۡسِدُنَّ فِی ٱلۡأَرۡضِ مَرَّتَیۡنِ وَلَتَعۡلُنَّ عُلُوًّا كَبِیرًا فَإِذَا جَاۤءَ وَعۡدُ أُولَىٰهُمَا بَعَثۡنَا عَلَیۡكُمۡ عِبَادًا لَّنَاۤ أُو۟لِی بَأۡسٍ شَدِیدٍ فَجَاسُوا۟ خِلَـٰلَ ٱلدِّیَارِۚ وَكَانَ وَعۡدًا مَّفۡعُولًا} [الإسراء: 4-5]؛ والمعنى هو: ٠ {وَقَضَیۡنَاۤ إِلَىٰ بَنِیۤ إِسۡرَ ٰءِیلَ فِی ٱلۡكِتَـٰبِ}: أي قدّرنا على بني إسرائيل في اللوح المحفوظ... ٠ {لَتُفۡسِدُنَّ فِی ٱلۡأَرۡضِ مَرَّتَیۡنِ وَلَتَعۡلُنَّ عُلُوًّا كَبِیرًا}: أي لتعصُنَّ الله ولتخالفُنَّ أمره على مرحلتيْن، والعلوّ هنا هو الاستكبار على أنبيائهم. ٠ {فَإِذَا جَاۤءَ وَعۡدُ أُولَىٰهُمَا بَعَثۡنَا عَلَیۡكُمۡ عِبَادًا لَّنَاۤ أُو۟لِی بَأۡسٍ شَدِیدٍ فَجَاسُوا۟ خِلَـٰلَ ٱلدِّیَارِۚ وَكَانَ وَعۡدًا مَّفۡعُولًا}: والمرة الأولى، هي إخراج نبوخذ نصّر لليهود المرة الأولى. ومعنى "جاسوا خلال الديار" هو أنهم استباحوا البلاد فساروا في خلالها بالفساد. وهو شبيه بقول الله تعالى في موضع آخر من القرآن، وحكاية عن بلقيس: {قَالَتۡ إِنَّ ٱلۡمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا۟ قَرۡیَةً أَفۡسَدُوهَا وَجَعَلُوۤا۟ أَعِزَّةَ أَهۡلِهَاۤ أَذِلَّةً وَكَذَ ٰلِكَ یَفۡعَلُونَ} [النمل: 34]. وأما إفساد بني إسرائيل المرة الثانية، فجاء بعد فترة من الصلاح، بعد أن انتصروا على جيوش نبوخذ نصّر. يقول الله تعالى عن ذلك: {ثُمَّ رَدَدۡنَا لَكُمُ ٱلۡكَرَّةَ عَلَیۡهِمۡ وَأَمۡدَدۡنَـٰكُم بِأَمۡوَ ٰلٍ وَبَنِینَ وَجَعَلۡنَـٰكُمۡ أَكۡثَرَ نَفِیرًا} [الإسراء: 6]؛ وقد جاء هذا الفساد بعد فترة من الطاعة جازاهم الله عنها بالرخاء والازدهار؛ وهو معنى قول الله تعالى بعد ذلك: {إِنۡ أَحۡسَنتُمۡ أَحۡسَنتُمۡ لِأَنفُسِكُمۡۖ وَإِنۡ أَسَأۡتُمۡ فَلَهَاۚ} [الإسراء: 7]؛ أي إن أعمالكم تعود عليكم، وأما الله فهو غنيّ عنكم ولا ينتظر منكم أن تطيعوه. ولكن بني إسرائيل على عادتهم لم يلبثوا أن طغوا، فسلّط الله عليهم نبوخذ نصّر للمرة الثانية، حيث أخرجهم واسترقّهم. وهو ما يذكره الله في قوله: {فَإِذَا جَاۤءَ وَعۡدُ ٱلۡـَٔاخِرَةِ لِیَسُـوؤُوا۟ وُجُوهَكُمۡ وَلِیَدۡخُلُوا۟ ٱلۡمَسۡجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّة وَلِیُتَبِّرُوا۟ مَا عَلَوۡا۟ تَتۡبِیرًا} [الإسراء: 7]. ومعنى ليسوؤوا وجوهكم: ليذلّوكم. والمقصود من المسجد هو المسجد الأقصى الذي بناه سليمان عليه السلام، الذي تسميه اليهود الهيكل، ومعنى التتبير: هو التدمير والهدم إذا تعلّق الأمر بالبناء، وهو الإهلاك إذا تعلق الأمر بالأحياء. وهذا الإفساد مرتيْن المتبوع بعقوبتيْن، كله كان قبل مجيء عيسى عليه السلام. وأكمل الله ما يتعلق بهذه المرحلة بقوله تعالى من باب الوعيد: {عَسَىٰ رَبُّكُمۡ أَن یَرۡحَمَكُمۡۚ وَإِنۡ عُدتُّمۡ عُدۡنَاۚ وَجَعَلۡنَا جَهَنَّمَ لِلۡكَـٰفِرِینَ حَصِیرًا} [الإسراء: 8]. - أن تسمية أرض الميعاد، لا يُعقل أن يُفهم منها ميعاد أبدي لا نهاية له. إذ لو كان من دون نهاية، ما كان يُسمّى ميعادا، وما تسلّط على اليهود من يُخرجهم من فلسطين. ومن نظر في التاريخ، علم أن الدول تظهر وتختفي، وأن الحضارات تزدهر وتندثر. نعم، قد تعود إلى الظهور مرة أخرى، وفي ظروف مغايرة، وبشروط أخرى. لكن لا يمكن أن ينظر قوم إلى التاريخ على أنه مخصوص بهم وحدهم، وإلى الأرض على أنها ملك لهم. فهذا طمع في استدامة لحظة تاريخية، ومنطق التاريخ لا يقبله!... - أن شطرا من اليهود قد فسقوا عن شريعتهم في بابل، تأثّرا بالسلطة هناك، ولكونهم مواطنين من الدرجة الثانية. وهذا معلوم من منطق التاريخ، عند تأثر الأمم بمن يغلبها أو يغزوها... ومن دلائل فسوقهم، تعلّمهم السحر، مع أنه حرام في الدّين. وعلى عادتهم، وحتى يجعلوه مقبولا في المجتمع اليهودي، فإنهم نسبوه إلى سليمان عليه السلام، ليبدو وكأنه ميراث لهم منه. فردّ الله عليهم هذه الفرية بقوله تعالى: {وَٱتَّبَعُوا۟ مَا تَتۡلُوا۟ ٱلشَّیَـٰطِینُ عَلَىٰ مُلۡكِ سُلَیۡمَـٰنَۖ وَمَا كَفَرَ سُلَیۡمَـٰنُ وَلَـٰكِنَّ ٱلشَّیَـٰطِینَ كَفَرُوا۟ یُعَلِّمُونَ ٱلنَّاسَ ٱلسِّحۡرَ وَمَاۤ أُنزِلَ عَلَى ٱلۡمَلَكَیۡنِ بِبَابِلَ هَـٰرُوتَ وَمَـٰرُوتَۚ وَمَا یُعَلِّمَانِ مِنۡ أَحَدٍ حَتَّىٰ یَقُولَاۤ إِنَّمَا نَحۡنُ فِتۡنَةٌ فَلَا تَكۡفُرۡۖ فَیَتَعَلَّمُونَ مِنۡهُمَا مَا یُفَرِّقُونَ بِهِۦ بَیۡنَ ٱلۡمَرۡءِ وَزَوۡجِهِۦۚ وَمَا هُم بِضَاۤرِّینَ بِهِۦ مِنۡ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ وَیَتَعَلَّمُونَ مَا یَضُرُّهُمۡ وَلَا یَنفَعُهُمۡۚ وَلَقَدۡ عَلِمُوا۟ لَمَنِ ٱشۡتَرَىٰهُ مَا لَهُۥ فِی ٱلۡـَٔاخِرَةِ مِنۡ خَلَـٰقٍ وَلَبِئۡسَ مَا شَرَوۡا۟ بِهِۦۤ أَنفُسَهُمۡۚ لَوۡ كَانُوا۟ یَعۡلَمُونَ} [البقرة: 102]. وباتباع اليهود للشياطين، فإنهم قد أعلنوا براءتهم من الدين الربّاني، وإن زعموا أنهم ما زالوا عليه. وفي كلّ مرة سيبعث الله لليهود من الأنبياء مَن يعود بهم إلى الدين، ولكنهم سرعان ما يعودون إلى ما كانوا عليه من كفر وفسق... 2. الشتات الثالث: من الصعب تحديد تاريخ المستوطنات اليهودية المتعددة؛ فربما نتجت بعض المستوطنات عن هجرة اليهود بعد إخماد الثورات اليهودية. وكانت الجاليات الأخرى كالجالية اليهودية في روما أقدم بكثير، إذ يعود تاريخها إلى منتصف القرن الثاني قبل الميلاد على الأقل، رغم أنها توسعت بشكل كبير بعد حملة بومبيوس عام 62 ق.م؛ وضم الرومان منطقة يهوذا في العام 6م. ولم يبق خارج نطاق الحكم الروماني غير يهود بابل. وعلى عكس اليهود الهيلينيين الناطقين باليونانية في الغرب، فقد استمرت المجتمعات اليهودية في بابل ويهوذا متكلمين بالآرامية من حيث هي لغة التداول. كما استوطن اليهود الإسكندرية وأنطاكيا ودمشق. وبعد حصار القدس في 63 ق.م، عندما أصبحت المملكة الحشمونية محمية لروما، ازدادت الهجرة كثافةً، ونُظِمت المنطقة من حيث هي مقاطعة يهوذا الرومانية في 6م. ثم ثار سكان يهوذا ضد الإمبراطورية الرومانية في 66م في الحرب اليهودية الرومانية الأولى، التي انتهت بتدمير القدس في 70م([1]). دمر الرومان الهيكل الثاني ومعظم القدس خلال الحصار. وفرضت هذه اللحظة الفاصلة، التي قضت على المركز الرمزي لليهود والهوية اليهودية، قيودًا على العديد من اليهود لإعادة صياغة تعريف ذاتي جديد، وتعديل وجودهم وفقًا لاحتمال حدوث فترة غير محددة من النزوح. ثم قاد بار كوخبا تمردًا على هادريان في عام 132م، وارتبط التمرد بإعادة تسمية القدس باسم إيليا كابيتولينا، بعد أربع سنوات من الحرب المدمرة، التي قُمِعت الانتفاضة فيها، ومُنِع اليهود من الوصول إلى القدس بعدها. واختفى اسم يهوذا وإسرائيل منذئذ، وسمّاها الرومان فلسطين التي تقع ضمن سورية. ولن يعود اسم إسرائيل إلى الظهور، إلا في سنة 1948م، كما هو معلوم... ولنلاحظ هنا: - أن اليهود قد عادوا إلى بلادهم بالإذن الإلهي الذي تلقوه عن طريق أنبيائهم: حجي وزكريا وعوبديا وملاخي. وأما من ظهر من الأنبياء أثناء السبي البابلي، فهما: دانيال وحزقيال. وقد كان قبل ذلك، أن أعاد عزريا (عزير) التوراة لليهود بعد اندثارها، كما كانت على عهد موسى، على الجميع السلام. ولم يكن مطلوبا منهم إلا الاستقامة على الشريعة، ليبقوا في بلادهم؛ ولكنهم على عادتهم، لم يلبثوا أن انحرفوا، فسلّط الله عليهم أعداءهم؛ وفي هذه المرة كانوا الرومان. - أن اليهود الذين بقوا خارج فلسطين، سوف يتأثرون بالثقافات المحليّة الرومانية والسورية والمصرية. وهو ما سيعلق بشخصيتهم فيما بعد، عندما سيجعلون من طقوسهم الدينية خليطا من الذكريات التي مرت بهم في تلك البلدان، لتنضاف إلى سابقاتها في مصر وبابل. وهو أيضا، ما سيجعل اليهودية (وهي غير الدين الموسوي)، تُغرق في مزيجها بين العرق والتاريخ والثقافة. وسيزداد الأمر سوءا مع الشتات الأخير كما سنرى... ولكن قبل أن نمضي في الكلام، لا بد من أن نعرض لما حدث من اليهود مع عيسى عليه السلام باختصار، حتى تكمل الصورة: فالمسيح عيسى بن مريم والذي يُعرف أيضًا باسم "عيسو" بالعبرية القديمة، وبـ"يشوع" بالعبرية المعاصرة وبـ"يسوع" في العهد الجديد (الإنجيل)، هو رسول من أولي العزم من الرسل؛ أُرسل ليقود بني إسرائيل بكتاب جديد هو الإنجيل، رغم أنه لم ينسخ من الشريعة الموسوية في التوراة إلا قليلا. وقد وُلد في البلاد التي كانت تُسمّى يهوذا، بعد أن أصبحت المنطقة مستعمرة رومانية؛ وهذا لأنه من نسل داود عليه السلام، وفقا لما سبق أن عرفنا من شأن ذرية سليمان بمملكة يهوذا. ورغم أن اليهود كانوا ينتظرون مخلّصا قبل مقدمه، فإنهم -على عادتهم- عندما جاء، وجدهم على تصوّر في أذهانهم بخصوصه لا ينطبق عليه، جعلهم يكفرون به. هذا زيادة على طعنهم في نسبه الشريف، لكونهم حسّيّون، لا يتمكنون من التصديق بالمعجزات الربانية. ولهذا فإن كل المعجزات التي سيأتي بها عيسى نفسه فيما بعد، لن يؤمنوا بها، خصوصا وهو ينتقد طبقة الأحبار التي أصبح لها من السلطة، ما لا متسع لها معه لِأن تؤمن برسول جديد يُجرّدها منها. ومما زاد في انبهام الأمر على اليهود، كون عيسى لم ينسخ الشريعة الموسوية كما أسلفنا الإشارة؛ بل كان يدعو إلى الرجوع إليها، بعد كل البدع التي حدثت؛ فجعلهم ذلك يتصوّرون أنه -عليه السلام- يهودي منحرف؛ في حين زعموا هم بالإصرار على ما كانوا عليه أنهم أوفياء لموسى؛ فضلّوا. وهكذا، وبعد أن عمِيَ اليهود عن عيسى عندما جاءهم، سيبقون إلى الآن في انتظار مخلّصهم؛ وسيجزيهم الله على سوء صنيعهم بحسب عقيدتهم، فيُخرج في آخر الزمان المسيح الدجّال منهم، فيتبعونه ليزدادوا معه بُعدا عن الله... وكما ذكرنا نحن في فصول سابقة، فإن اليهود بعد مجيء عيسى وعدم إيمانهم به، سيخرجون إلى الكفر الصُّراح. وهذا يعني أن تمسّكهم بيهوديتهم بعد هذا التاريخ، سيكون خارج المنطق الدّيني، ولن يزدادوا معه إلا سوءا على سوئهم. ولقد سبق أن بيّنّا أن الدين صلة بالله بواسطة الرسول المبعوث في الزمان، وليس صلة بالرسول، كما صار بعض الناس يفهمون. ولقد كان حال اليهود مع رسلهم، ما وصف الله بقوله: {لَقَدۡ أَخَذۡنَا مِیثَـٰقَ بَنِیۤ إِسۡرَ ٰءِیلَ وَأَرۡسَلۡنَاۤ إِلَیۡهِمۡ رُسُلًاۖ كُلَّمَا جَاۤءَهُمۡ رَسُولُۢ بِمَا لَا تَهۡوَىٰۤ أَنفُسُهُمۡ فَرِیقًا كَذَّبُوا۟ وَفَرِیقًا یَقۡتُلُونَ} [المائدة: 70]. وهنا ينبغي أن ندحض زعما لليهود، كان سببا في كفرهم، وقد يلتبس على من لا علم له بالأمر. وذلك هو أن اليهود دائما يزعمون أنهم خلصاء الله، ومن هذا المنطلق، فهم معه من دون اعتبار للرسل، وهذا قد يبدو متماشيا مع المبدأ الذي أسّسناه نحن فيما قبل؛ ولكن الأمر ليس كذلك البتة؛ لأن شرط أن يكون العباد مع الله، هو أن يكونوا تابعين لرسول زمانهم، وداخل زمنه التشريعي؛ وأما من يزعم أنه من دون اتباع للرُّسل سيكون مع الله، فهو واهم؛ وسيكون كافرا من جملة الكافرين. والأمر كما يبدو، لا يخلو من ابتلاء!... وقد ظهر في المتأخرين هذا الصنف من الكفر، يُسمِّي أصحابه أنفسهم: الربوبيّين؛ وهيهات، فإنهم شيطانيّون لا شبهة فيهم!... 3. الشتات الأكبر الأخير: وهذا الشتات الأخير، هو ما ستتلوه العودة الأخيرة لليهود إلى فلسطين، كما أخبر الله تعالى بقوله: {وَقُلۡنَا مِنۢ بَعۡدِهِۦ لِبَنِیۤ إِسۡرَ ٰءِیلَ ٱسۡكُنُوا۟ ٱلۡأَرۡضَ فَإِذَا جَاۤءَ وَعۡدُ ٱلۡـَٔاخِرَةِ جِئۡنَا بِكُمۡ لَفِیفًا} [الإسراء: 104]: - {وَقُلۡنَا مِنۢ بَعۡدِهِۦ لِبَنِیۤ إِسۡرَ ٰءِیلَ}: الهاء في بعده تعود على فرعون، فهذه المرحلة تأتي بعد مرحلة فرعون، أي بعد زمان موسى عليه السلام. وليس بعد الزمان الموسوي إلا العيسوي والمحمدي، وسنرى كيف أنه يرجح أن يكون الزمان المقصود هو الزمان المحمدي، كما سنرى. - {ٱسۡكُنُوا۟ ٱلۡأَرۡضَ}: ولم يقل هنا الأرض المقدّسة حتى ينصرف الذهن إلى فلسطين، فيبقى أن الأرض باقية على عمومها وشمولها؛ وهذا لا يكون إلا في زمان الشتات اليهودي الأكبر، في زمان التشريع المحمدي. حيث سيكون اليهود مبثوثين في جميع القارات، وعلى الخصوص أفريقيا وآسيا وأوروبا. أما العودة التي بعد هذا الشتات الكبير، فلن تكون إلا في عام 1948م، كما هو معلوم. - {فَإِذَا جَاۤءَ وَعۡدُ ٱلۡـَٔاخِرَةِ جِئۡنَا بِكُمۡ لَفِیفًا}: ومعنى لفيفا هنا: هو الخليط غير المتجانس. وهذا معلوم من يهود العالم الذين تقاطروا على فلسطين من كل جهة، فمنهم الإسرائيلي، والأوروبي، والإفريقي الأسود (الفلاشا)، والصقالبة (العرق السلافي)، والأتراك والعرب... والمعنى: جمعناكم في فلسطين، على اختلاف أعراقكم... ولنعد إلى تسلسل الأحداث: فمنذ اعتناق الإمبراطور قسطنطين النصرانية المتفرعة عن المسيحية الأولى عام 313م، هرب اليهود إلى البلدان المجاورة، ثم إلى بقية أنحاء العالم القديم في أفريقيا وآسيا وأوروبا. وعند نهاية القرن الرابع الميلادي، أصبح جلّ من يقطنون فلسطين، من المسيحيّين ومن النصارى. وخلال القرنيْن الخامس والسادس الميلادييْن، في أوج ازدهار الإمبراطورية البيزنطية، كان اليهود يُرغمون على التعميد (اعتناق النصرانية)، أو يُطردون خارج بلاد الإمبراطورية. وفرّ عدد كبير منهم، ممن قاوموا التعميد، إلى شرق أوروبا وشمالها، وخاصة إلى بولندا، حيث عُرفوا باسم جماعة اليهود الغربيّين: الأشكينازيم، تمييزا لهم عن يهود الشرق والجنوب (خاصة في الأندلس): السِّفرديم. ولقد قُدّر عدد اليهود قاطبة في العالم، عند نهاية القرن العاشر الميلادي، بحوالي مليون نسمة. ولقد اختلفت نظرة المسلمين إلى اليهود في تلك الفترة عن نظرة الأوروبيين. فقد احترم المسلمون منذ الفتوحات الإسلامية اليهود، لكونهم أهل كتاب حض القرآن على حفظ حقوقهم، وحذّر النبي صلى الله عليه وآله وسلم من خفر ذمّتهم بأشد الألفاظ؛ وهو ما لا نرى له من الدارسين مُبرزا بالقدر الذي يليق به إلى الآن. فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حديث أنكره أو ضعّفه أغلب أهل الحديث، وهو عندنا صحيح المعنى لا نشكّ فيه من جهة المتن؛ قال فيه: «مَنْ آذَى ذِمِّيّاً فَقَدْ آذاني، وَمَنْ آذاني فَقَدْ آذى اللَّهَ.»، وفي رواية أخرى، رواية الخطيب عن ابن مسعود: «مَنْ آذَى ذِمِّيّاً فَأَنا خَصْمُهُ، وَمَنْ كُنْتُ خَصْمَهُ خَصَمْتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ.»، وأما لفظ رواية أبي داود: «أَلَا مَنْ ظَلَمَ مُعاهَدًا، أَوِ انْتَقَصَهُ، أَوْ َكَلَّفَهُ فَوْقَ طاقَتِهِ، أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسِهِ فَأَنا خَصْمُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ.»[2]. وهذا الحكم منوط بأهل الكتاب تحت الحكم الشرعي الإسلامي. وهذا الذي ذكرنا، جعل يهود المشرق يرحبون بالفاتحين الجدد الذين حرروهم من تعصب نصارى بيزنطة وزرادشتيي فارس. نقول هذا، ونحن واعون بالرّدّة التي وقعت للمسلمين بخصوص هذه الأحكام، في العصور المتأخرة، بسبب ضعف الفقه والتديّن عموما. ومع الأمن والأمان الذي وفره المسلمون، حقق اليهود نجاحاً باهراً في تجارتهم وفي علومهم؛ لاسيما في العراق وإسبانيا. وفي إسبانيا التي توافد إليها اليهود بدءاً من القرن العاشر، حققوا برعاية المسلمين عصرهم الذهبي، وظهر منهم عدد من الوزراء والسفراء والأطباء والعلماء والأدباء البارزين، وقام بعضهم بترجمة علوم اليونان والعرب وفلسفاتهم إلى العبرية واللاتينية، حتى صارت هذه الأعمال جزءاً من التراث الأوروبي في القرن الثاني عشر. أما أوروبا، فلم يرحب سكانها باليهود منذ البداية، فقد حرَّم النظام الإقطاعي في أوروبا على اليهود اقتناء الأراضي، فانصرف جل اليهود إلى الحرف، وعملت أقلية منهم في التجارة، واضطروا مع ذلك إلى العيش في تجمعات داخل كل مدينة أقاموا فيها. واتسمت نظرة الأوربيين لهم بقلة الاحترام وعدم الفهم، بسبب تعصب كل قوم إلى دينهم، والنظر إلى دين الآخرين على أنه انحراف (هرطقة). هذا، مع ثبوت انحراف الدينيْن معا: اليهودي والنصراني في الزمان التشريعي المحمدي. وكانت حركة الإصلاح الديني الكنسي في أوروبا أبرز أحداث القرن الحادي عشر، التي صبغت تاريخ اليهود بصبغة خاصة، وذلك عندما أصدرت الكنيسة تحريماً على اليهود بخصوص تولي أيّ مناصب حكومية أو إدارية. وقد استتبع هذا التحريم ارتكاب طلائع الحملات الصليبية عدداً من المجازر في حق يهود مدن الراين، في طريقها نحو الأراضي المقدسة، بناء على تداول مقولة اتهام اليهود بقتل المسيح، وأنهم يستخدمون دماء أطفال المسيحيين في احتفالات عيد فصحهم. ولم تجد الكنيسة وقتها حلاً لتعاظم روح العداء ضد اليهود، أفضل من أن تفرض عليهم ارتداء ملابس خاصة، أو وضع شارات خاصة عليها، لتمييزهم من نصارى المدن الأوروبية الكبرى؛ وكذلك السكن في أحياء خاصة، تحيط بها أسوار عالية، تقفل بواباتها في الليل، فيما أطلق عليه اسم الغيتو Ghetto، الذي صار مع الزمن مجتمعاً ذاتياً ينظّم الدينُ مناحي الحياة فيه، ويلتزم تجاه حكومة المدينة بتأدية الضرائب وتقديم الخدمات العامة داخله. وهكذا وجد اليهود في الغيتو وحدتهم واستقلالهم، ولكنهم لم يتمكنوا من الحد من تنمية أحقادهم ضد مضطهديهم من نصارى الخارج، كما سيبقون منغلقين، يجعلهم انغلاقهم ذاك غرباء في نظر مُساكنيهم من الأوروبيّين، الذين سيبقون منتظرين لأي فرصة، من أجل التخلص منهم بأي طريقة... وفي مقابل هذه الاستقلالية التي كان لا بد منها لليهود، لم تستطع الغالبية الأوروبية أيضا، تجاوز كراهيتها لهم، والتي استفحلت إلى درجة قيام الحكومة البريطانية سنة 1290م بسنّ قانون لطرد اليهود من أراضيها، وتلتها فرنسا وبلدان أخرى. وعندما قام الملك الإسباني فرناندو -بعد سقوط غرناطة- في سنة 1492م بطرد غير النصارى من إسبانيا، ساوى بين المسلمين واليهود في عملية الطرد، ولم تنج من عمليات طرد اليهود في معظم أوروبا إلا بعض الأقليات اليهودية في شمالي إيطاليا وألمانيا والنمسا. وتوجه شطر منهم إلى فلسطين، حيث أقاموا تحت حكم الخلافة العثمانية. ويرى بعض المؤرخين أن يهود شرقي أوروبا (الأشكيناز) ليسوا من نسل يهود فلسطين، وإنما من نسل الخزر، الذين استوطنوا بعد تشرذمهم، شرق أوروبا من أوكرانيا إلى المجر؛ وهكذا لا يمكن أن يكونوا من الشتات اليهودي الآتي من فلسطين. ويهود الخزر هؤلاء هم قبيلة من أصل تركي، تهوّد إمبراطورهم الذي يدعى بولان، فلم تكن يهوديتهم كاملة؛ بل احتفظوا بكثير من عاداتهم الأولى، كما كان يحدث مع كل شعب دائما. وقد كتب أحد يهود الأندلس حين عرف بقيام هذه المملكة اليهودية، إلى ملك الخزر يسأله عن القبيلة العبرية التي ينتمي إليها، فأكد له الملك أن أصل الخزر تركي وليس سامياً، ولا صلة له بأسباط إسرائيل ولا بفلسطين. والأصل الخزري لمعظم يهود الغرب -كما نرى هنا- يزيد من تفنيد كل ادعاء للحقوق اليهودية في فلسطين من أصله. وفي بداية العصور الحديثة ومع استمرار الظروف السيئة، هاجر القسم الأكبر من يهود أوروبا الغربية طوعاً أو كرهاً إلى روسيا وليتوانيا وبولونيا، وكذلك إلى أراضي الإمبراطورية العثمانية التي رحبت بمساهماتهم الاقتصادية والإدارية، إلى درجة أن أحدهم وهو "يوسف ناسي" J.Nasi اليهودي البرتغالي المتنصر، أصبح مستشاراً لعدد من سلاطين آل عثمان في تلك الفترة. وفي أوائل القرن السادس عشر، التحق بهم بعض اليهود من أواسط أوروبا، حيث هاجروا إلى: القدس، وطبريا، وصفد، والخليل. وفي منتصف القرن الثامن عشر، هاجر عدد من يهود بولندا وروسيا إلى فلسطين بسبب اضطهادهم هناك، واستقر معظمهم في صفد وطبريا. ومع انتشار النهضة الصناعية بدأت ظروف اليهود تتحسن في أوروبا الغربية، واتجه عدد من متنصري اليهود الإسبان والبرتغاليين (الماران) إلى عدد من مراكز التجارة العالمية في ذلك الوقت، بصورة خاصة: أمستردام، وهامبورغ، وعدد من مدن ألمانيا، وبولونيا، وفرنسا، وبريطانيا، التي أصدرت سنة 1656م قراراً بالسماح لليهود بالعودة والعمل، وكذلك فرنسا بعد الثورة الفرنسية سنة 1789م، وإصدار نابليون قراراته بحقهم، وأيضاً بعد استقرار الوضع في القارة الجديدة الأمريكية لمصلحة المستعمرين. وقد استفاد اليهود من تغير النظرة إليهم في المجتمعات الأوروبية في ممارسة التجارة والصناعة والصيرفة، وارتقى قسم منهم في سلم الثروة ليهيمنوا على التعليم الجامعي ولاسيما في فرعي الطب والقانون. وقد غيرت هذه التحولات حياة كثير من اليهود الذين ما إن أُخرجوا من حياة "الغيتو" حتى تحول قسم كبير منهم إلى النصرانية، وتحول قسم آخر إلى يهودية توفيقية، وبقيت قلة على دينها وتراثها. ولا بد هنا أن نلاحظ أن مفهوم الدين عند اليهود يُخالف ما يكون عليه غيرهم؛ لأنهم لو كانوا على دين بالمعنى المعروف، لصعب عليهم الخروج منه إلى غيره، أو تنقيحه بحسب ما تتطلب الظروف. فهذا كله يعني أن الدين اليهودي يغلب عليه الجانب الثقافي؛ ونحن نتكلم هنا عمن كانوا يسكنون أوروبا خاصة، لا على اليهود الأرثوذكس الذين يُحافظون على معالم تلمودية مما وضعه الحاخامات، بما أن التوراة قد انقطعوا عنها بصفة شبه تامة. ونتيجة لكل هذه المستجدات حقق عدد من العائلات اليهودية والأفراد نجاحات باهرة، مثل "آل روتشيلد" Rothschild، كما حقق أفراد آخرون أمجاداً خاصة، فكان منهم: بنيامين دزرائيليB.Disraeli رئيس وزراء بريطانيا، والشاعر: "هاينريش هاينه" H.Heine، والمؤلف الموسيقي: "فيلكس مندلسون" F.Mendelssonn، وعالم "النفس": "سيغموند فرويد"S.Freud ، والفيزيائي: "ألبرت إينشتاين"A.Einstein ، وآخرون... وعلى ما أحرزه كثير من اليهود من نجاحات في مجتمعات الغرب، فإن ذلك لم يمكنهم من الاندماج في حياة الغربيين، الذين كانوا ينتظرون أيّ مصيبة لاتهامهم بالوقوف وراءها أو المشاركة في تدبيرها، ولاسيما في الأمور الاقتصادية، بسبب سيطرة اليهود على قسم كبير من الأسواق المالية والمصرفية؛ كما لم يكن اليهود بعيدين دائما عما يُتهمون به. ولهذا أو لغيره أيضاً، راجت في المجتمعات الغربية نظرية العالم الفرنسي "جوزيف غوبينو" J.Gobineau ، القائلة بتفوق العرق الآري في كل صفاته على العرق السامي الذي يمثله اليهود في أوروبا، وأهمها الذكاء والأخلاق. وأصبح تعبير "المعادي للسامية" ينطبق على الحركة المتنامية ضد اليهود. ونتيجة لذلك أيد حزب المحافظين في البرلمان الألماني نظرية معاداة السامية، كما فعل أيضا النمساويون. وبعد اغتيال القيصر ألكسندر الثاني في روسيا عام 1886م، نشطت الحملة في روسيا، وتبعتها فرنسا إثر محاكمة الضابط اليهودي الفرنسي "ألفرد درايفوس" A.Dreyfus، بتهمة الخيانة العظمى. في هذه الفترة ظهر صحافي يهودي من أصل نمساوي يدعى تيودور هرتزل، ودعا من باريس إلى تأسيس حركة سياسية لنصرة اليهود تحت مسمى "الحركة الصهيونية"، وإنشاء وطن قومي لهم. وتمكن سنة 1897م في مدينة "بازل" Basel السويسرية من انتزاع تأييد معظم الشخصيات اليهودية النافذة في أوروبا لإنشاء وطن قومي في فلسطين، كما نجح في حشد تأييد معظم الحكومات الأوروبية والبريطانية المنتدبة على فلسطين خاصة، لإنشاء هذا الوطن؛ ويُفهم من هذا، أن اليهود والحكومات الأوروبية، قد وصلوا جميعا إلى التفكير في حل لمعضلة تساكنهم، يكون فيه بعض التعويض الوجداني لليهود عن فراق ما ألفوه في بلدان شتاتهم، وليس ذلك الحل المرغوب، إلا إحياء الحنين إلى دولة اليهود في فلسطين؛ وكأن التاريخ لا يسير؛ بل ينتظر اليهود حتى يركبوه إلى الوجهة التي يختارون، وإن كانوا متأخّرين عن الموعد بعدة مئات من القرون!... وأما هرتزل، فلم يطل به الأمد، إذ مات سنة 1904م، مخلفاً نزاعاً بين قادة اليهود حول كيفية تنفيذ هذا الوعد حتى سنة 1917م، حينما تمكن خلفه "حاييم وايزمان" Weizmann من إكراه بريطانيا على إصدار وعد بلفور والمساعدة على هجرة اليهود من جميع مناطق العالم إلى فلسطين. وكأن اليهود مع وعد بلفور، سيعودون إلى عهد "قورش"، في دورة تاريخية لم يتمكنوا من مغادرتها قطّ، بسبب انقلاب الدين عندهم أيديولوجيا. ثم تفاقم الأمر أكثر فأكثر، عندما صارت الأيديولوجيا الدينية لديهم أيديولوجيا صهيونية. والصهيونية لفظة استعملها أول مرة الكاتب الصحفي اليهودي "ناثان بيرنباوم" في عام 1890م، في مقال بمجلة: الانعتاق الذاتي. فالتقط هرتزل الكلمة الدالة على جبل حول أورشليم، ليجعل اليهود يرتبطون بها في غياب الدين، في أول مؤتمر للحركة. ولقد نشأ صراع منذئذ بين الصهاينة الملحدين، واليهود المتديّنين، ما يزال مستمرا إلى الآن، ليشقّ دولة إسرائيل فيما بعد إلى شطريْن... ولقد سبق لهرتزل أن أرسل إلى السلطان عبد الحميد الثاني رسالة يعرض عليه فيها قرضا بمبلغ عشرين مليون جنيه إسترليني، مقابل السماح لليهود بالهجرة إلى فلسطين، ومنحهم قطعة أرض يقيمون عليها حكما ذاتيا؛ ولكن السلطان رفض قائلا: [انصحوا هرتزل بألا يتخذ خطوات جدية في هذا الموضوع، فإني لا أستطيع أن أتخلى عن شبر واحد من أرض فلسطين؛ فهي ليست ملك يميني، بل ملك الأمة الإسلامية. ولقد جاهد شعبي في سبيل هذه الأرض ورواها بدمه، فليحتفظ اليهود بملايينهم، وإذا مزقت دولة الخلافة يوما، فإنهم يستطيعون آنذاك أن يأخذوا فلسطين بلا ثمن!... ولكن التقسيم لن يتم إلا على أجسادنا!...][3]. ولقد كان اليهود في كل مرة يحتالون على الدولة العثمانية في الإقامة بفلسطين، التي مُنعوا منها بقرارات سلطانية، سمحت لهم بالمكوث مدة قليلة للزيارة فحسب. ورغم أن الثورة البلشفية في روسيا أدانت معاداة السامية بسبب توجهها الأممي أيديولوجياً، فإنها أدانت أيضاً الحركة الصهيونية التي استقطبت وقتها معظم يهود العالم أيضاً، لكونها حركة عنصرية دينية. غير أن أقوى المواقف الأوروبية ضد اليهود، نشأت في ألمانيا حيث حمّل الحزب النازي بزعامة "أدولف هتلر" اليهود، مسؤولية نجاح الثورة الشيوعية التي كانت تهدد الأمة الألمانية، وكذلك مسؤولية خسارة ألمانيا الحرب العالمية الأولى. ولهذا أيقظ النازيون النظرية العرقية، وقاطعوا المصالح اليهودية، وشجعوا طرد اليهود من الجامعات ووظائف الدولة، وسنّوا سنة 1936م، قانوناً ينص على أن معاداة السامية جزء ثابت من قوانين البلاد؛ وهو أمر سمح للسلطات النازية في الحرب العالمية الثانية بسوق مجموعة من اليهود (تبارت المنظمات الصهيونية في تضخيم عددها استدراراً لعطف العالم)، إلى معسكرات في أوروبا الشرقية تمهيداً لترحيلهم. وفي سنة 1942م أصدر النازيون قرار (الحل الأخير) Final Solution الذي تدعي فيه المصادر الصهيونية بأن النازيين أعدموا بموجبه عدداً هائلاً من اليهود في معسكرات الاعتقال في مذبحة أطلق عليها الغربيون اسم "الهولوكوست" (المحرقة). ولكون الصهيونية حركة جوفاء غير دينية، احتيج دائما إلى مناطات يُعمل على شد الشعوب اليهودية إليها شدا. فكما شدّوهم أولا إلى جبل صهيون، ها هم الآن يشدونهم إلى المحرقة؛ وكأنهم يصوغون معالم دين جديد وضعي، لم يبق فيه من اليهودية إلا الاسم وبعض المظاهر من أوروبا الشرقية... وبسبب الازدياد المطرد في أعداد اليهود في فلسطين، وبسبب الموقف العربي الفلسطيني تجاه اغتصاب الأرض، انضم عدد كبير من اليهود إلى عصابات المستوطنين الجدد مثل: "شتيرن" و"هاغاناه" التي اختصت بإرهاب المدنيين الفلسطينيين لإجبارهم على ترك أراضيهم وبيوتهم. وأما قبول العرب بذهاب فلسطين، فلم ينشأ من فراغ؛ وإنما نشأ من إغراء بريطانيا لهم بالقيام على الدولة العثمانية بقصد إنهائها، لتكون جائزتهم (زعما) إقامة دول عربية مستقلة لهم. فوقع ما خُطّط له من زوال الدولة العثمانية، ومن ظهور دول عربية، لا تملك من أمرها شيئا. عندها تدخلت الأمم المتحدة، وأصدرت قراراً مجحفاً بحق العرب بتقسيم فلسطين، لكنها لم تستطع إقناع اليهود الذين طمعوا بمزيد من الأراضي، ولا العرب الفلسطينيين الذين لم يتمكنوا من مواصلة المقاومة حتى 14/5/1948م، وهو تاريخ إعلان اليهود دولتهم في فلسطين برئاسة "حاييم وايزمان" و"دافيد بن غوريون" في رئاسة الوزراء. والغريب هو أن اليهود قد أنشأوا دولة يطمحون أن تتمدد من النهر إلى النهر، كما يرمز إلى ذلك علمهم؛ والعرب الفلسطينيون إلى جانبهم ما زالوا يطمعون في استعادة أراضيهم؛ وكأن الأمر من البداية هو إعلان عن ميلاد معضلة، لا حل لها، وإن بقي الشعبان العربي واليهودي أحدهما في مواجهة الآخر الدهر كله!... إلى أن يأتي وعد الله... وهنا ينبغي أن نذكر أن اليهود الذين كانوا مقيمين بالدول العربية، لم تتمكن "الوكالة اليهودية العالمية" من استقدامهم إلى فلسطين، إلا بالإرغام، وباتفاق مع الأنظمة القطرية العربية التي قبضت مبالغ عن كل يهوديّ يُهجّر؛ وهذا لأنه كان عليها أن توفّر جوازات السفر للمهجّرين. وهكذا، سنعرف أن عوام اليهود الذين هم السواد الأعظم الآن من شعب إسرائيل، لم تكن لهم رغبة في مغادرة البلدان العربية في البداية. ولولاهم، لما تمكن الصهاينة من إنشاء دولتهم، بالأعداد القليلة التي كانت هناك. ويتضح من كل هذا، أن جميع العالم تواطأ على اليهود البسطاء، من أجل تعضيد اليهود القادمين من أوروبا، والذين كانوا غير مرغوب فيهم هناك، كما أسلفنا، ولم تكن تربطهم بالسِّفرديم رابطة... ولو أمعنّا النظر في السبب الداعي إلى إنشاء الدول العربية القطرية من قِبل سايكس وبيكو سنة 1916م، تحت رعاية بريطانيا وفرنسا الاستعماريتيْن؛ لأدركنا أن بريطانيا التي حظيت بالانتداب على فلسطين من سنة 1920م، إلى سنة 1948م، كانت تمهّد لإنشاء دولة إسرائيل منذئذ، بإعداد خبيث ومؤامرة متشعبة الأركان. ومما يؤكّد ما نذهب إليه هو أن بريطانيا باتفاق مع فرنسا، قد عملت على إنشاء جامعة الدول العربية في 22 مارس 1945م، وذلك قبل إنشاء هيئة الأمم المتحدة نفسها في 24 أكتوبر 1945م. وهكذا، فإن الدول المنضوية في الجامعة العربية، ستكون مكلّفة بحضانة إسرائيل، بعد أن ولدتها بريطانيا بوعد بلفور؛ تحت رعاية الأمم المتحدة التي هي تحت توجيه الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية. ومن هنا يُمكن للمتفرّس المتفحّص أن يتبيّن بعض معالم النظام العالمي الذي سيتطور في كل مرة، ليصبح أكثر إعلانا عن نفسه، رغم بقاء اليهود والعرب المسلمين في غفلة مطبقة، يستعيدون معارك وأحقادا تاريخية، وكأنهم يعيشون في زمن منفصل. وهذا الذي نقوله، هو ما سيجعل الأنظمة العربية تعمل في الخفاء على حماية إسرائيل دائما، بطرق خفية أو مفضوحة كان أهمها حرب 1967م، التي لم تكتف إسرائيل فيها بالانتصار على عدة جيوش عربية (؟)، ولكن تمكنت من توسيع أرضها بضم الضفة الغربية والجولان والقدس، وسيناء إلى حين. ولقد بقي الوضع على حاله، وإن تظاهرت مصر باستعادة مشروطة لسيناء بعد حرب 1973م، التي تحوم حولها الشكوك هي الأخرى (؟). ونتيجة لانتشار الديانة اليهودية بطرق متعددة، ولاسيما بزواج ذكور من قوميات مختلفة بيهوديات، بين مختلف شعوب الأرض وأعراقها؛ ينتفي زعم الحركة الصهيونية بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين. ولو أقام اليهود دولة في فلسطين، على غرار دولة الفاتيكان الدينية، لتفهمنا الأمر قليلا، ووجدنا له منطقا مستساغا؛ لكن أن تجمع إسرائيل بين الدولة العلمانية بمعناها الشائع في العالم، وزعمها مع ذلك أنها دينية، فهو أمر يبعث على الاندهاش. وهذا، مع أننا عندما نتكلم عن الدولة الإسلامية الغائبة اليوم، نؤكّد على أنها دينية؛ لكن بشروط ربانية، لا بغيرها. وهذا لكيلا ينسبنا قوم إلى التناقض في الأقوال، أو إلى ازدواجية المعايير، كما توحي بذلك أي نظرة سطحية في كتاباتنا للمسألة. فأيّ قومية تزعمها إسرائيل، وهي تجمع ما بين يهود الفلاشا الإثيوبيين ويهود بولونيا وألمانيا وروسيا؟!... وما تفسير التفرقة العنصرية اللافتة بين اليهود الغربيين المهيمنين على مقدَّرات البلد واليهود الشرقيين المهمَلين؟!... ثم ما سبب إرغام اليهود الذين كانوا يريدون العودة إلى بلدانهم الأصلية (العربية خصوصا) على البقاء، تحت طائلة التهديد؟!... هذا، ويبلغ عدد اليهود في العالم اليوم نحو 15 مليوناً، يعيش نصفهم في الولايات المتحدة، وأقل منه قليلاً في فلسطين، وعدد أقل في روسيا وفرنسا وبريطانيا وباقي أنحاء العالم... إن ما يتعلّق بأخبار اليهود، لا يخضع للأهواء من اليهود أو من أعدائهم، ولكن ينبغي أن يُرجع فيه إلى علم الله رب العالمين، الذي لا يتحرك شيء حسّيّ أو معنويّ إلا بأمره، وهو العليم بكل شيء. يقول سبحانه: {لَّیۡسَ بِأَمَانِیِّكُمۡ وَلَاۤ أَمَانِیِّ أَهۡلِ ٱلۡكِتَـٰبِۗ مَن یَعۡمَلۡ سُوۤءًا یُجۡزَ بِهِۦ وَلَا یَجِدۡ لَهُۥ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلِیًّا وَلَا نَصِیرًا} [النساء: 123]. ولنعد إلى سورة الإسراء حيث توقفنا منها عند جمع الله لليهود في فلسطين بعد الشتات الأكبر، وإخباره بذلك في قوله تعالى: {وَقُلۡنَا مِنۢ بَعۡدِهِۦ لِبَنِیۤ إِسۡرَ ٰءِیلَ ٱسۡكُنُوا۟ ٱلۡأَرۡضَ فَإِذَا جَاۤءَ وَعۡدُ ٱلۡـَٔاخِرَةِ جِئۡنَا بِكُمۡ لَفِیفًا} [الإسراء: 104]، لنتابع ما يتعلّق به من تأكيد إلهي يستدعي التوقف عنده. ثم يقول الله تعالى: {وَبِٱلۡحَقِّ أَنزَلۡنَـٰهُ وَبِٱلۡحَقِّ نَزَلَۗ وَمَاۤ أَرۡسَلۡنَـٰكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِیرًا} [الإسراء: 105]؛ قال المفسرون إن الهاء تعود على القرآن، وهو صحيح من غير شك؛ لكن الأمر في سياقه متعلّق بالإخبار عن اليهود، فهو الموصوف هنا بأنه أُنزل بالحق وبالحق نزل. فهو قضاء الله فيهم وفي البشرية جمعاء، لا تبديل له. وهذا يدخل ضمن بشارة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لقوم ومن نذارته لآخرين، مبلّغا في ذلك عن ربه، غير منحاز لطرف من الأطراف بهواه، وحاشاه. ثم يقول الله تعالى: {وَقُرۡءَانًا فَرَقۡنَـٰهُ لِتَقۡرَأَهُۥ عَلَى ٱلنَّاسِ عَلَىٰ مُكۡثٍ وَنَزَّلۡنَـٰهُ تَنزِیلًا} [الإسراء: 106]؛ أي إن ما يُذكر في القرآن هو من متفرقاته التي تتنزل على الأزمنة بالتتابع وهو المـُكث؛ وقراءة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بهذه الطريقة، تكون بإبراز المعاني القرآنية في أزمنتها المخصوصة، وهذا عن طريق إخراجها على ألسنة الورثة من هذه الأمة. وأما التنزيل هنا، فهو التقريب؛ وهو غير مخالف للتنزيل العام. وذلك لأن معاني القرآن تكون باطنة في الذات، فيُخرجها الله إلى الحقيقة المحمدية، ثم من هناك عبر القلم إلى اللوح المحفوظ، ثم ينزل الأمر من العرش إلى الكرسي ثم إلى السماوات، ثم ينزل إلى الأرض ليشهده الناس في الأوان المقدّر فيه. ثم يقول الله تعالى: {قُلۡ ءَامِنُوا۟ بِهِۦۤ أَوۡ لَا تُؤۡمِنُوۤا۟ۚ إِنَّ ٱلَّذِینَ أُوتُوا۟ ٱلۡعِلۡمَ مِن قَبۡلِهِۦۤ إِذَا یُتۡلَىٰ عَلَیۡهِمۡ یَخِرُّونَ لِلۡأَذۡقَانِ سُجَّدًا} [الإسراء: 107]؛ والمعنى: سواء وافق الخبر أهواءكم (من مسلمين ويهود) أم لم يوافقها، فإنه لا تأثير لذلك على الأمر النازل. والموفَّق من الناس، هو من وافق الحق في مراداته، لأن معاندة الإرادة الإلهية متعبة لأصحابها غير منتجة لهم ما يريدون. وإذا التقت الإرادتان، فاحذف الإرادة الإنسانية؛ لأنها لا تقوم للإرادة الإلهية أبدا. وهذه قاعدة ينبغي أن يضعها الناس نصب أعينهم!... وقد ذكر الله أحوال أهل العلم من السابقين مع الوحي النازل من عند الله إذا سمعوه، عندما كانوا يخضعون له بقلوبهم، فيظهر ذلك الخضوع والتسليم على الأجساد سجودا تاما. والمقصود من وراء النصيحة التي خلف هذه الألفاظ الإلهية، هو أن يعرف العباد قدر أمر الله، وأن لا يقابلوه إلا بما يليق به وهو: التصديق والرضى والتسليم. ومن وُفِّق لهذا الفعل، فقد حاز الخير كله، وأمن الشرّ كلّه... ثم يقول الله تعالى: {وَیَقُولُونَ سُبۡحَـٰنَ رَبِّنَاۤ إِن كَانَ وَعۡدُ رَبِّنَا لَمَفۡعُولًا} [الإسراء: 108]؛ أي إن ما أخبر الله عنه، لا بد أن يكون، وتسبيح الذين أوتوا العلم هنا، هو تنزيه لله عن أن يتخلف وعده أو وعيده، وهو القادر على إنفاذه، من دون معارض أو شريك. ويبقى السؤال في النهاية، وبعد جمع الله لأشتات اليهود في فلسطين، مع تأكيده سبحانه على وقوع ما كتبه عليهم في قضائه الأول، هو: ما الذي ينتظر اليهود في فلسطين في قابل الأيام والسنين؟ وهل هم على وعي به، أم لا؟... وسنترك الجواب ليتبيّن بالتدريج مع تقدّمنا في الكتاب بعون الله... [1] . وبحسب بعض المصادر التاريخية، فقد تم بناء الهيكل وهدمه ثلاث مرات: فقد تم تدمير مدينة القدس والهيكل عام 587 ق.م على يد نبوخذ نصر ملك بابل وسبي أكثر سكانها؛ وأعيد بناء الهيكل حوالي 520-515 ق.م، وهُدم للمرة الثانية خلال حكم المكدونيين على يد الملك أنطيوخوس الرابع بعد قمع الفتنة التي قام بها اليهود عام 170 ق.م؛ وأعيد بناء الهيكل مرة ثالثة على يد هيرودوس الذي أصبح ملكاً على اليهود عام 40 ق.م بمساعدة الرومان، ثم هدم الهيكل للمرة الثالثة على يد الرومان عام 70م ودمروا القدس بأسرها. |