![]() انتهاء الاعتصام بعد 1255 يــــــوم
بسم الله الرحمن الرحيم. يُنهي شيخ الطريقة العمرية عبد الغني العمري الحسني، إلى علم الرأي العام، ومن بعده إلى علم أتباع الطريقة العمرية في أنحاء العالم، أنه: 1. قد عزم على إيقاف اعتصامه مع عائلته داخل بيته نهاية يوم الثلاثاء 15-5-2018م، بمناسبة حلول شهر رمضان الكريم لعام 1439ه. وللإشارة، فإن هذا الاعتصام قد بدأ يوم الاثنين 8-12-2014م، واستمر طيلة 1255 يوم. 2. سيغادر مدينة جرادة التي كانت محل اضطهاده وعائلته من طرف السلطات المحلية والأجهزة الأمنية، مع توظيف الأوباش والسفهاء من أهل المدينة في هذا العمل الشنيع. وسيكون مقر الشيخ المقبل إن شاء الله بمدينة سلا، مرفوقا بجميع أفراد عائلته. حرر بجرادة ليلة الأربعاء: 16-5-2018م. شيخ الطريقة العمرية: عبد الغني العمري الحسني ![]() ![]() Translated
Sheikh's Books |
![]() ![]() القضية الفلسطينية: من المنظوريْن: الديني والعقلي (7).2.
الفصل السادس: صهيونيات متعاضدة -2- (تابع) 3. الصهيونية العربية: قبل أن نخوض في التفاصيل، علينا أن نلتفت إلى مؤتمر انعقد في لندن سنة 1905م، يُدعى مؤتمر "كامبل بانرمان". وبانرمان هذا، كان رئيس الوزراء البريطاني يومئذ؛ وقد دام المؤتمر من 1905م إلى 1907م؛ وشاركت فيه: بريطانيا، وفرنسا، وهولندا، وبلجيكا، وإسبانيا، وإيطاليا، والبرتغال؛ بوصفها دولا استعمارية (نصرانية)، لتنظر فيما يصلح لها من معاملة لجوارها في المنطقة العربية خصوصا، بعد تصنيفها له منافسا حضاريا قويا. وقد انعقد المؤتمر بدعوة سرية من حزب المحافظين البريطانيين، لتُقدّم توصيات المشروع المنبثق عنه، لحزب الأحرار البريطاني الحاكم في ذلك الوقت. وهذه الدعوة من حزب المحافظين، لا يُمكن أن تخفي التوجيه النصراني البروتستانتي، بحيث يُراد للنصارى الكاثوليك أن يدخلوا ضمن الصف النصراني العام، ولو عن طريق تغليب الاعتبار السياسي. قدّم المؤتمر توصيات إلى حكومة الأحرار برئاسة السير "هنري كامبل بانرمان"، بعد سقوط حكومة المحافظين برئاسة "آرثر بلفور" عام 1905م، لإقناع رئيس الوزراء الجديد بالعمل لتشكيل جبهة استعمارية لمواجهة التوسع الاستعماري الألماني، ولتحقيق بعض الأهداف التوسعية في آسيا وأفريقيا. وتأسست هذه اللجنة العليا، لضم ممثلين عن الدول المذكورة آنفا، إلى جانب كبار علماء التاريخ والاجتماع والاقتصاد والزراعة والجغرافيا والبترول... واستعرض المؤتمر الأخطار التي يمكن أن تنطلق من تلك المستعمرات، فاستبعد قيام مثل تلك الأخطار في كل من الهند والشرق الأقصى وأفريقيا والمحيط الأطلسي والمحيط الهادي، نظراً لانشغال تلك البلدان بالمشاكل الدينية والعنصرية والطائفية الأخرى. وقد زُعم أن استثناء تلك البلدان، يعود إلى كونها بعيدة عن العالم المتمدّن (الأوروبي)، بينما في الحقيقة هي بلدان غير إسلامية فحسب. ورأى المؤتمر أن مصدر الخطر الحقيقي على الدول الاستعمارية، إنما يكمن في المناطق العربية من الدولة العثمانية، لا سيما بعد أن أظهرت شعوبها يقظة سياسية ووعياً قومياً([1]) ضد التدخل الأجنبي والهجرة اليهودية. كما رأى أن خطورة الشعب العربي، تأتي من عوامل عدّة يملكها، هي: وحدة الدين، والتاريخ، واللغة، والثقافة، والمصير، بالإضافة إلى عامل تزايد السكان؛ ولم ينس المؤتمر أيضاً، عوامل التقدم العلمي والفني والثقافي. ورأى المؤتمر ضرورة العمل على استمرار وضع المنطقة العربية متخلفا عن ركب التقانة، وعلى إيجاد أسباب التفكك والتجزئة والانقسام ودعمها؛ مع إنشاء دويلات مصطنعة، تابعة للدول الأوروبية وخاضعة لسيطرتها. ولذا أكدوا على ضرورة فصل الجزء الأفريقي من المنطقة العربية، عن جزئها الآسيوي، وضرورة إقامة "الدولة العازلة" (Buffer State)، عدوّة لشعب المنطقة وحليفة للدول الأوروبية؛ ولم تكن إلا إسرائيل. وهنا يظهر جليّا أن دولة إسرائيل، هي في نظر الدول الغربية (أوروبا في البداية والتي ستنضم إليها الولايات المتحدة) دولة وظيفية فحسب. وهذا يتأكّد إذا اعتبرنا معاداة النصارى من جهة الدين، لليهود في المنطلق؛ ومعاداة الدول الأوروبية، بما هي كيانات سياسية لليهود أيضا، من جهة الاجتماع السياسي. وهذه العداوة المتأصلة لدى الأوروبيّين، لا يمكن توهّم انتفائها، وإن دعت المصالح الظرفيّة إلى تبنّي الصهيونية اليهودية. وهو ما يُثبت أن الدول الأوروبية في عمقها معادية للسامية، وإن كانت ستُشهر رفضها لذلك في الوقت الراهن، عن طريق سنّ قوانين تُجرّم معاداة السامية([2])، من باب المزايدة فحسب... وكان من نتائج مؤتمر "بانرمان"، العمل على اتجاهيْن متوازييْن: - إنشاء إسرائيل؛ وقد رأينا الخطوات التي تم بها ذلك، في الصفحات السابقة. - وتقسيم الشعب العربي، وسنعرف الآن الخطوات التي توصلوا بها إليه. ا. عمل بريطانيا على التقسيم: وبالرغم مما كانت تواجهه بريطانيا منذ عام 1915م من القوات العثمانية في العراق خاصة، بعد استسلام جيشها الذي كان محاصراً هناك، فقد حاول الإنجليز استمالة العرب إليهم، بعدما كان الأتراك هم المسيطرين على نمط الحياة العربية اليومية آنذاك. وما ينبغي أن يُشار إليه هنا هو: - إطماع العرب في إنشاء دولة لهم (الخلافة)، مستقلة عن الأتراك؛ وهو مخالفة شرعية خطيرة. فحتى لو ارتأى العرب نقل الخلافة إليهم، فإنه كان ينبغي أن يكون ذلك من دون انقسام للخلافة. أما وقد كان النظر في هذه المسألة من البداية بإيعاز من الإنجليز، فهي الخيانة من غير شك!... - إدخالهم في مؤامرة غايتها، القضاء على الدولة العثمانية (الخلافة الإسلامية)، ثم تقسيم البلاد إلى دول متناحرة... وهنا ينبغي أن نلاحظ: - أن ما قام به الشريف حسين من اتفاق مع الإنجليز، هو خيانة بالمعنى الشرعي؛ وهذا لأن الدولة عند المسلمين لا تكون إلا دينية. وإذا كانت دينية، فإن الشريعة هي ما يحكمها، عند الإنشاء وفيما بعد. ولكن يبدو أن المسلمين في هذا الوقت، كانوا قد بلغت منهم الغفلة الناشئة عن التديّن التاريخي مبلغها؛ إلى أن وصلوا إلى ما لم يكن يخطر ببال أحد أنهم سيصلون إليه. - أن العمل من منطلق القومية العربية، لا يمكن أن يكون عملا مشروعا؛ وهو مبدأ جاء الدين ليخلّص الناس من جاهليته. - أن العرب لا خبرة لهم بمفهوم الدولة الحديثة، وهو ما سيجعلهم يقبلون التقسيم الاحتلالي، مع انعكاساته السيئة عليهم. بل إنهم لن يتمكنوا من الخروج من هذا الوضع الاستثنائي إلى الآن، بسبب عدم إِلْفهم لمعنى الدولة. ومن يلاحظ، فإنه سيجد الدول العربية لا تزال تُدار بمنطق القبيلة، وبعيدا عن القوانين التنظيمية؛ إلا ما يكون من تظاهر كاذب... وقد رامت القوى الأوروبية قلب الموازين لصالحها، وعلى رأس هذه القوى بريطانيا (ثم فرنسا)، التي سعت للتأثير على الشريف حسين حاكم الحجاز. تزامن ذلك مع المكاتبات والمراسلات الشهيرة، التي كانت للشريف حسين مع المعتمَد البريطاني "مكماهون"، ما بين 14 يوليو 1915م إلى غاية 30 يناير 1916م. وفي الواقع فإن ما كشفت عنه اتفاقيات "سايكس- بيكو" التي كانت مخططا تقسيميا استهدف المسلمين العرب أمة وحضارة؛ وما طرحه إعلان "بلفور" من التزام غربي، بتنفيذ المشروع الصهيوني؛ وما سجلته صكوك الانتداب التي خرجت من المؤتمرات الاستعمارية في باريس، وفرساي، وسان ريمو؛ قد أعطت "الشرعية الدولية" التي كانت تبحث عنها الحركة الصهيونية في استيطان فلسطين، من خلال وضعها تحت الانتداب البريطاني مقابل النكوث بالوعود التي أعطيت للشريف حسين في المراسلات؛ ومن ثم إعادة تقسيم الدويلات العربية التي خرجت من الحكم العثماني، لتقع مباشرة تحت الاحتلال الغربي: الفرنسي والإنجليزي والإيطالي، حيث إن سياسة التفريق كانت هي السياسة الفعالة؛ لا لإحكام السيطرة الاستعمارية، ونهب ثروات شعوب المستعمرات فحسب؛ وإنما لمنع أي نهوض عربي–إسلامي، من شأنه أن يضع المشروع الوحدوي في مواجهة حقيقية للمشروع الصهيوني. وسنرى فيما بعد، وعندما سنصل إلى حقبتنا الراهنة، كيف أن الغرب لن يقنع بالتقسيم الأول، ليسعى إلى ما سمي "تقسيم المقسَّم"، من أجل بلوغ الغايات الكبرى التي لم يكن التقسيم الأول إلا خطوة واحدة في اتجاهها... ولا بد هنا -ومن باب الإنصاف- التفريق بين وضع المغرب ووضع سائر الدول العربية التي كانت تابعة للنفوذ العثماني؛ وذلك لأن المغرب قد كان مستقلا بنفسه، إبان الخلافة العثمانية وقبل الحماية الفرنسية، التي أدخلته ضمن الجغرافيا العربية الاستعمارية إجمالا. وأما إن تساءل امْرُؤٌ عن مشروعية استقلال الدولة المغربية عن دولة الخلافة آنذاك، فإننا نذكر من أسباب ذلك ما يلي: - نشوء الدولة من بدايتها على يد إدريس بن عبد الله، حوالي 788م، بعد مذبحة الجيش العباسي المـُرتكَبة ضد العلويّين؛ والعلويون لهم المشروعية الدينية كما لا يخفى، وهي أساس الاختلاف القائم بين الشيعة وأهل السنة على مر التاريخ. ونحن رغم كلامنا هذا، فإننا لا نوافق الشيعة مطلقا، وإنما نجد العذر لقيام الإمارة المغربية وقتذاك. - بُعد المغرب الأقصى عن تناول اليد العثمانية، وهو ما يُشاركه فيه كل أقاليم الأطراف. وهذا يعني أن الحكم العثماني لم يكن ليستطيع ضبط الحكم في المغرب لو أنه كان تابعا له؛ ولنا في الدول المجاورة دليل على ما نقول. ورغم ما ذكرنا من أسباب استقلال المغرب عن دولة الخلافة في المشرق، فإن بعض سلاطينه كانوا يُبايعون خلفاء زمانهم بالمراسلة، وكانت تُقام صلاة الجمعة بالدعاء للخليفة في كبريات الحواضر على الأقل. ونعني من كل ما سبق، أن المغرب ما كان لفرنسا أن تعامله معاملة الدول المجاورة، لو أن أهله كانوا على وعي بما يحل بالمنطقة؛ وأن فرنسا قد استغلّت تخلف البلاد، لتعاملها وكأنها من ضمن التركة العثمانية. وستبقى هذه الخصوصية المغربية -كما تعلم الدول الاستعمارية- سببا لأن يستعيد المغرب استقلاله الحضاري بأسهل وبأسرع مما يكون لغيره، بحسب المنطق التاريخي (القدر الإلهي). وهذا هو ما سيجعله في هذه المرحلة، أكثر عُرضة من غيره للمؤامرات والدسائس، التي توظّف فيها بعض دول الجوار العربي نفسه، من دون أن تُدرك أبعاد ذلك حقيقة. ولكن المغاربة إن وعوا بالمخاطر المحدقة، فإنه يسهل عليهم التصدّي لها من دون عناء. ولسنا نعني بالمخاطر هنا، ما يظهر منها على سطح الأحداث وحده؛ ولكن نعني ما هو من العيار الحضاري الأوسع. وهذا سيتطلب عملا حقيقيا ودؤوبا، يبدو أن دائرة الحكم في المغرب قد بدأته منذ أزيد من عقد. لكنّ ما ينتظر المغرب أكبر مما هو منجز إلى الآن، لأن الأمر لن يبلغ منتهاه إلا بعد أن ينخرط الشعب كله فيه. وهذا ما لا يزال بعيدا نسبيّا... ب. الصهيونية العربية فرع عن الصهيونية الأوروبية: لا شك أن قبول العرب بدول قطرية، تنشأ عن المحتل وبدعم منه، لم يكن إلا انخراطا منهم في الصهيونية، وهو ما سميناه صهيونية عربية. وإن تساءل أحد لمَ هذا؟ فإننا نجيب: لأنه من دون صهيونية عربية، ما كان للصهيونية الأصلية أن تُفلح في مساعيها!... ولكن: هل كان العرب واعين بالطريق المنحرف الذي يخرجون إليه؟... في الغالب، لا!... وهذا لأن العقل العربي، ليس استراتيجِيّاً كالعقل الغربي([3])... ولا بد هنا من أن نبيّن أن العرب والمسلمين من بعدهم، لم يكونوا يعرفون نمط الحكم في الدولة الحديثة؛ وهم الذين عاشوا قرونا تحت حكم الخلافة الإسلامية الواسعة. فلقد اعتاد سكان الأقاليم على التبعية للحكم المركزي في دولة الخلافة، مع ما يُعطيه من انطباع عن غياب للحكم لدى العامة الذين ما كانوا يعلمون منه إلا ما يرون بأعينهم في معيشهم اليومي؛ فلا ينبغي لأحد إذاً، أن ينتظر أن يصير العرب مدركين لمعنى الدولة "الوطنية". ونحن نجزم -والوقت الذي يفصلنا عن الخلافة لا يزال قصيرا بمقياس التاريخ- أن الشعوب العربية، ما زالت إلى الآن لا تُدرك معنى الدولة الوطنية، رغم أن الأجيال الأخيرة قد ولدت تحت مظلتها. وهذا أمر ينبغي على الدول العربية أن تعيه، حتى لا تطمع فيما لا مطمع فيه؛ وحتى تكون الطريق ممهدة أمام الخلافة الإسلامية([4]) متى جاءت... ولقد ساعد في قيام الصهيونية العربية، طموح بعض العائلات، وبعض الأحزاب التي زرعها المحتلّ في المنطقة، إلى نيل الحكم في الدولة القطرية المخصوصة؛ لأنه من دون الصهيونية، كانت تلك العائلات وتلك الأحزاب الطارئة، ستبقى ضمن دائرة الأعيان أو الحكام المحلّيّين فحسب؛ وهو ما أحسنت الدول الاستعمارية توظيفه. وإن قصور النظر هذا، ما يزال يطبع حكام الدول القطرية إلى الآن، رغم ما آتاها الله من ثروات متنوعة، كان يُمكن (جدلا) أن تقفز بها إلى مصاف الدول المتقدّمة. وهنا ينبغي أن نفرّق بين القائمين على الأنظمة العربية، لنجعلهم صنفيْن: - صنف متصهين، لأنه عالم بالغاية من تقسيم الشعب العربي، ومحافظ عليها؛ من باب المصلحة الخاصة، التي أصبحت متماهية مع مصلحة الصهيونية العالمية. - وقسم خادم للصهيونية العالمية، مع كونه غير متصهين، بسبب جهله بالدواعي الاستعمارية ومآلاتها. وهذا يمكن أن يُسترجع إلى الصف العربي الإسلامي بعد جهد قليل. وقد يكون هذا الصنف مـُرغما على سياسات يرفضها، يرى هو أنه لا قِبل له بمخالفتها. ونحن لا ننتقد الأنظمة العربية من باب المعارضة السياسية، ولكن نُضطرّ إلى ما قد يبدو كذلك عند تحليل الأحداث وقراءة الأنساق. وأما الشعوب، فهي بفعل السياسات القطرية القائمة عموما على الإفقار والتجهيل، فإنها وبسبب انشغالها بالأمور المعاشية، تكاد تكون خارج التاريخ وحبيسة الجغرافيا القطرية. ولقد صارت النتائج التي خططت لها الدول الاستعمارية، بادية للعيان، تُسائل الأجيال الجديدة للشعوب العربية التي تعيش ضمن هذه الزنازين المسماة دولا (؟)... وينبغي هنا أن نؤكّد على أن الدول الاستعمارية، لم تترك للدول العربية القطرية من معنى الدولة إلا الاسم؛ وأما حقيقة الدولة، فهي من الممنوعات التي يسهر النظام العالمي الآن على إطالة أمد غيابها؛ مع أن الحلّ للشعوب العربية، ليس متعلّقا بها من الأصل، كما سبق أن بيّنّا... وأهم ما يدل على خدمة الصهيونية العربية للصهيونية العالمية، هو التهجير القسري لليهود "العرب"، بدعم مالي من الوكالة اليهودية آنذاك؛ وكأنه رشوة أعطيت لوزارات الداخلية التي ستنظم الهجرة؛ وبمرافقة عمليات إرهابية من الموساد، نُفّذت لإخافة اليهود وجعلهم يختارون الهجرة. ومع علم الأنظمة العربية بهذه العملية القذرة، فإنها لم تحمِ اليهود من التهجير، وهو ما يدل على أنها لم تكن تنظر إليهم نظرة مواطنة أصلية؛ بل نظرة عنصرية مخالفة للشريعة الإسلامية. فساعدت بطرق عديدة على تهجير اليهود، الذين لن يحسب لهم أحد من الصهاينة اليهود المشرفين على الحكم في إسرائيل حسابا. ولولا هذا التهجير الظالم الذي شمل جميع الدول العربية (فضلا عن البلدان الأخرى من العالم)، ما كانت إسرائيل لتقوم!... ولولا خدمة الدول العربية لهذه الغاية، ما كنّا نعدّها صهيونية بمعنى ما!... ويكفي أن ننظر الآن إلى بعض الأعداد، ليحصل لنا اليقين بما أسلفنا: - بلغ عدد سكان إسرائيل في عام 1948م حوالي 800000 نسمة. - بقي 150000 فلسطيني فقط، في فلسطين؛ من أصل 800000 الذين هُجّر معظمهم بعد النكبة. - كان عدد اليهود في العالم العربي قبل إعلان قيام إسرائيل، يبلغ حوالي 800000 نسمة. - أقل من ثُلثي العدد الإجمالي لليهود "العرب"، كان يعيش في شمال إفريقيا، تحت الاحتلال الفرنسي والإيطالي. - ما يقارب 15% من إجماليّ عدد اليهود العرب، كان يعيش في المملكة العراقية، و10% في المملكة المصرية، و7% في المملكة المتوكلية اليمنية. - بلغت هجرة اليهود من الدول العربية ما بين 1948 و1951م 56% من إجمالي المهاجرين؛ وكانت ذروة الهجرة من مصر، عام 1956م، وعقب العدوان الثلاثي. وأما الهجرة الجماعية من شمال أفريقيا، فقد كانت في الستينيات. - بحلول عام 1972م، كان قد وصل إلى إسرائيل حوالي 600000 يهودي من الدول العربية والإسلامية، من بين 900000 الذين هم مجموع المهاجرين؛ والذين اختار ثلثهم، الهجرة إلى فرنسا والولايات المتحدة. - يُعدّ اليوم عدد اليهود من الأصول الشرقية "مزراحيم" وسِفارديم" أكثر من نصف إجماليّ سكان إسرائيل. ورغم هذه المشاركة العربية الفاعلة، في إقامة دولة إسرائيل الغاصبة، فإننا لا نكاد نسمع من أحد الإشارة إليها عند الكلام عن مأساة الشعبيْن الفلسطيني واليهودي؛ في تحريف سافر لوقائع التاريخ، من أجل إطالة عمر الكذبة التي ما تزال الشعوب العربية تعيشها إلى ما شاء الله... وإنّ ما ذكرناه سابقا عن إنشاء فرنسا وبريطانيا للدول القطرية العربية، بقصد توفير بيئة حاضنة لإسرائيل، هو ما سيجعل انفصال أنظمة تلك الدول عن شعوبها، من الناحية الوجدانية، أمرا حتميّا لا مفرّ منه. ولو عدنا إلى اعتبار القرن الأخير من عمر الشعوب العربية، لوجدنا أنظمة دولهم، لا تختلف كثيرا عن نظام الاحتلال، الذي كان يكتم أنفاسها ويحد من تطوّرها، قبل إحراز الاستقلال الصوري المزعوم. لذلك فإن كل نظر في الأوضاع العربية، يتجاوز الحقائق التي أثبتناها هنا، فلن يكون إلا إضلالا للشعوب العربية، وإطالة في عمر المؤامرة الكبرى، وبالتالي خدمة لإسرائيل بصفة مباشرة أو غير مباشرة. ولقد سمعت -عبر وسائل التواصل- مرة، أحد المغاربة الذين زاروا إسرائيل، يذكر أنه التقى أحد اليهود المغاربة المهاجرين، فشرع يشكو له من سوء عيشه هناك. فلما سأل الزائر المهاجر: لم هاجرتم؟ وقد كنتم تعيشون في المغرب آمنين؟ أجابه: لقد خوّفنا الموساد بأننا إن بقينا هناك، فسيذبحنا المغاربة. وعندما سأله بعد ذلك: فلمَ لم تعودوا، وقد بان لكم خلاف ما كنتم تبغون؟ أجابه: طلبوا منّا أن نعيد كل الأموال التي أنفقتها الوكالة اليهودية علينا، ونحن لا نطيق ذلك. فهذه القصة التي لا نشك أنها متكررة هناك بصورة تكاد تعمّ، تدلّ على أن الشعب اليهوديّ المهجّر، هو أول ضحايا الصهيونية العالمية؛ وتأتي بعده الشعوب العربية، والشعوب الغربية كما سنرى فيما يأتي من الكتاب إن شاء الله... وإذا كنّا في السابق قد ذكرنا أن مناط الصهيونية اليهودية، هو إعادة بناء هيكل سليمان المشار إليه تمويها بجبل صهيون، وذكرنا أن مناط الصهيونية الأوروبية هو إسرائيل نفسها؛ فينبغي في ختام هذا الجزء أن نعرف أن الصهيونية العربية مناطها الدولة القطرية. من أجل هذا، سيُفرط المنظرون العرب الوطنيون في إبراز مكانة الوطن، إلى حد التأليه. هذا بالإضافة إلى أن جُلّ تلك التنظيرات -وفي غياب المستوى العقلي اللازم- لن تكون إلا "بروباغاندا" رخيصة ورديئة، ستزيد من تخلف الشعوب ومن يأسها... ولكن هنا، وفي نهاية الكلام عن الصهيونية العربية، ننبّه إلى أن الشعوب العربية، وفي مقابل الصهيونية الرسمية، ستُنتج صهيونية هي أخطر عليها من التي قبلها، ومن دون أن تدري؛ وهذا -من غير شك- سيتم بإيعاز من الدول الأوروبية وفي مقدَّمها بريطانيا. ونعني من هذه الصهيونية الشعبية الصهيونية "الإسلامية" (صهيونية الإسلاميّين)، التي ستقوّي الفتنة الداخلية العربية، كما ستعطي الذريعة للقوى الصهيونية العالمية من أجل تدمير دول قطرية عربية كبرى: كالعراق، وسورية، وليبيا، واليمن. أما أفغانستان، فإنه سيتضح لمن كان متابعا لكلامنا، أنه قد اجتمعت عليها الصهيونية العربية والصهيونية العالمية، لتوظيفها أولا ضد الاتحاد السوفياتي، ثم للتخلص منها فيما بعد. ولولا أن الصهيونية العالمية ماضية في تقسيم البلدان العربية كما أسلفنا الذكر، ما كان يُسعى إلى القضاء على بنية الدولة لدى العراق ومن تبعه. وعلى كل حال، فإن تعاضد الصهيونيات المختلفة، الذي أبرزناه في عنوان الفصل، هو أمر متحقق في الواقع؛ لكن لا بد للمتتبع -أولا- أن يفرق بين مختلف الصهيونيات، ليتمكن فيما بعد من متابعة الخيوط الرابطة فيما بينها، والتي تكون أحيانا متشابكة، تُنتج الحيرة لدى الناظر. وما دام الناظر السياسي تهيمن على عقله الحيرة، فإنه لن يتمكن من تفكيك المشهديْن السياسييْن: المحلي، والعالمي... (يُتبع) [1] . نحن نرى أن الدعوة إلى القومية العربية التي عرفتها منطقتنا في حقبة ماضية، هي جزء من الدعوة الصهيونية العربية، وإن زعم القوميّون غير ذلك. |