انتهاء الاعتصام بعد
1255
يــــــوم
بسم الله الرحمن الرحيم. يُنهي شيخ الطريقة العمرية عبد الغني العمري الحسني، إلى علم الرأي العام، ومن بعده إلى علم أتباع الطريقة العمرية في أنحاء العالم، أنه: 1. قد عزم على إيقاف اعتصامه مع عائلته داخل بيته نهاية يوم الثلاثاء 15-5-2018م، بمناسبة حلول شهر رمضان الكريم لعام 1439ه. وللإشارة، فإن هذا الاعتصام قد بدأ يوم الاثنين 8-12-2014م، واستمر طيلة 1255 يوم. 2. سيغادر مدينة جرادة التي كانت محل اضطهاده وعائلته من طرف السلطات المحلية والأجهزة الأمنية، مع توظيف الأوباش والسفهاء من أهل المدينة في هذا العمل الشنيع. وسيكون مقر الشيخ المقبل إن شاء الله بمدينة سلا، مرفوقا بجميع أفراد عائلته. حرر بجرادة ليلة الأربعاء: 16-5-2018م. شيخ الطريقة العمرية: عبد الغني العمري الحسني
Translated
Sheikh's Books |
2018/10/22
العمل الإسلامي ... - 5 -
خصائص القيادة الربانية إن ما نريد أن نتكلم عنه هنا هو ما تمتاز به القيادة الربانية عن غيرها، مما لا عهد للناس به؛ لذلك فلن نتكلم عن القوة الفكرية (الفطانة والدهاء)، التي قد يحوزها الكافرون بأعلى ما يكون للمسلمين أحيانا؛ كما لن نتكلم عن القوة العسكرية التي قد يتفوق فيها الكافرون أيضا كما هو الشأن اليوم. وإن عدنا إلى قول الله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ} [الأنفال: 60]، فإننا سنجده يخص بالذكر العدو المبين (عدو الله وعدوكم) الخارجي، والعدو الداخلي الذي يعمل لمصلحة العدو الخارجي (الذين من دونهم). والإعداد المـُرهب إنما يكون للعدو الخارجي وحده، وإلا عاد الأمر فتنة داخلية يعم ضررها. لكن العدو الداخلي الذي يعلمه الله وحده (ومن شاء الله له ذلك بإذنه) يتأثر حتما بحال حليفه الخارجي من غير شك؛ فهو يُرهَب تبعا له. هذا من جهة العمل العسكري، أما من جهة العمل السياسي فالعكس هو المطلوب؛ نعني أن البدء يكون بالعدو الداخلي. وكم من معركة تُكسب بغيرها!... ثم إن من أهم صنوف القوة في المرتبة الأولى، أن يكون المؤمنون مع الخواص (في صفهم) من رجال الله، من أهل الغيب وأهل الشهادة؛ الذين أعطاهم الله التصرف في ملكه بإذنه، وأعطاهم الدلالة على الحق الذي دلت عليه الأنبياء. وهذا الجانب، بما أنه خارج إدراك الفقهاء لقصورهم أو لمرضٍ في قلوبهم أو للأمرين معا، فإنه قد صار مغيبا بصورة شبه تامة في هذا القرن على الخصوص، بعد أن كان الناس على بعض علم به مع تواتر الأخبار بأحوال الأولياء في جميع الأمصار. ولما دخلت الأمة في احتكاك حضاري مع المستعمر الذي لا يعلم إلا ما هو مادي أو عقلاني مجرد، فإنها قد فقدت بذلك الاتصال بعالم الأولياء على قدر تأثرها بالكافر في شؤونها، وابتعدت عن لب الدين؛ وهو ما لم يكن بالهيّن ولا بالقليل. وهذا قد جعل الأمة تضعف إلى الحد الذي أصبحت مغنما معه للكافرين بعد ذلك وكما نرى اليوم. قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «يُوشِكُ الْأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا. فَقَالَ قَائِلٌ: وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ؛ وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ. وَلَيَنْزَعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمُ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ، وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهْنَ. فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْوَهْنُ؟ قَالَ: حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ» [1]. ومن ينظر إلى الآفتين اللتين خصهما النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالذكر (حب الدنيا وكراهية الموت) فإنه سيجدهما نتيجة لاتباع سبيل التربية الفقهية (بالمعنى الاصطلاحي) التي حلت محل التزكية الشرعية على أيدي الربانيين؛ وسيجد نزع المهابة من صدور العدو، نتيجة لتلك الآفة. نعني من هذا، أن الدين قد أُعيدت صياغته صياغة محرفة على أيدي الفقهاء؛ بحيث عاد يوصل إلى غير ما جُعل له. لكننا مع قرب زمان المهدي عليه السلام، نحن معنيون بالعودة إلى الصواب بعد طول تيه. ولا بد من أجل ذلك أن ندرك مرتبة الخلافة عن الله أولا، لكونه عليه السلام (المهدي) خليفة تام الخلافة، بالمعنيين الظاهر والباطن. نعني من هذا، أن المهدي من جهة غيبه سيكون غوث زمانه، ومن جهة ظاهره سيكون الحاكم العام للمسلمين. وهذا يدفعنا إلى تبيّن هذه المرتبة قليلا، وبحسب ما يطيقه العقل المؤمن فحسب؛ على ما في هذا من مشقة سببها طول عهد الأمة بما نذكر. والله المستعان. إن الغوثية هي الخلافة عن الله المقتضية للتصرف بالأسماء الإلهية في كل ما خلق الله، إلا ما استثناه الله في مثل قوله: {أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ} [ص: 75]؛ لعدم تصرف الخليفة فيهم. والمعنى من قول هذا الكلام لإبليس اللعين، هو: لو أنك كنت من العالين، لحق لك عصيان الأمر، بل لن يُعد العصيان عصيانا في حقك عندئذ. وهذا الأمر الذي كان صادرا من الخليفة (آدم عليه السلام) في الحقيقة، كان جديدا على الملائكة وعلى إبليس جميعا. ومرتبة الخلافة عن الله هي بالأصالة لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم، فهو المظهر الأول والأكبر لها. يقول الله في هذا: {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} [النجم: 18]؛ أي عرفناه مرتبته منا. ولهذه الخلافة الأصلية غير المتعددة، مظاهر نيابية (وجوه) حال غياب المظهر المحمدي، إما قبل ظهور شخصه الشريف صلى الله عليه وآله وسلم، من آدم عليه السلام إلى البعثة الشريفة، وإما من وفاته صلى الله عليه وآله وسلم إلى قيام الساعة. فالحقبة النيابية الأولى كانت الخلافة فيها للأنبياء عليهم السلام، والحقبة الثانية كانت لأغواث هذه الأمة، الذين نالوا شرف مضاهاة الأنبياء إكراما لنبينا صلى الله عليه وآله وسلم. ولقد قال الله عن المظهر الخلافي الأول في الزمان (آدم عليه السلام): {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة: 30]؛ وقال سبحانه: {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا} [البقرة: 31]؛ ثم أسجد له الملائكة تعريفا بمرتبته لعموم المؤمنين من الملائكة ومن الناس. وأما الشيطان -ومن سيتبعه في الحال- فإنه قد خُذل من دون أن يخرج عن قبضة التحكم. وهذا هو ما سبّب له الجهل بحاله، لحكمة تجعل الإضلال لغيره من أخص صفاته. وأما كون الخليفة في الأرض، فلأنه مظهر سُفلي إنساني؛ والإنسان أرضي المنشأ والموطن. وهذا مصداق قول الله تعالى عن نفسه: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ} [الزخرف: 84]. وهذه الآية مما لا قدم للمفسرين فيه، لجهلهم بعلم الأسماء الإلهية الذي هو من اختصاص الأولياء أهل القرآن وخاصة الرحمن. يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ لِلَّهِ أَهْلِينَ مِنَ النَّاسِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ هُمْ؟ قَالَ: هُمْ أَهْلُ الْقُرْآنِ، أَهْلُ اللَّهِ وَخَاصَّتُهُ»[2]. وحتى تعلم أن أهل القرآن هم أهل علم الأسماء، انظر إلى ما يبدأ به القرآن تلاوة (بسم الله الرحمن الرحيم)، وإلى ما بُدئ به نزولا ({اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق: 1]). فمن لا علم له بالأسماء، يكون ممنوعا من قراءة القرآن القراءة الوراثية النبوية. وأما القراءة المعروفة من العادة، فهي صورة للقراءة لا عينها؛ وهي على التحقيق قراءة الأجر. وحديث الولاية الذي يكون الله بحسبه سمع عبده وبصره وجميع قواه، كان آدم بخلافته أول مصاديقه البشرية؛ فهو مظهر الاسم "الله" بهذا. وقد قرأ ابن مسعود رضي الله عنه (وغيره) الآية: {وهو الذي في السماء الله وفي الأرض الله...}. والدليل على ما نقول، زيادة على ما ذكرنا، هو تعليم الله الأسماء كلها لآدم. وعبارة "الأسماء كلها" تعني الاسم الله الذي له كل الوجوه الاسمية من كونه مسماها. وهذا هو ما يدل عليه قول الله تعالى: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: 115]؛ أي: فثم مظهر لاسم من الأسماء الإلهية العائدة إلى الاسم "الله". وهذا يعم كل المظاهر من كل العوالم. فلهذا كان الخليفة مظهرا للاسم الله الجامع حيث كان هذا الخليفة؛ ولا يكون إلا واحدا في الزمان. وبما أن الله (الاسم) واحد، فقد جاءت الآية لتدل على مظهرين له: أحدهما في السماء (العلو) من حيث المكانة، لكونه كان قبل خلق السماء والأرض (قبل الزمان)، وهو الحقيقة المحمدية المسماة إنسانا؛ والثاني هو صورة هذه الحقيقة في عالم الطبيعة (السفل). فالمظهر العلوي هو المذكور في قوله تعالى: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا} [الإنسان: 1]؛ وهو وحده الذي يصدق عليه لفظ "الإنسان" على وجه العَلَمية؛ في الوقت الذي لا يُطلق هذا الاسم على البشر إلا من جهة المعنى المشترك العام (الصفة)، الذي يدل بعمومه على المعنى الأول دلالة الفرع على الأصل. ولما كان محمد صلى الله عليه وآله وسلم وحده الصورة الجامعة لمظهري العلو والسفل بالأصالة، فقد قيل في حقه: {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} [النجم: 9]؛ فالقوس الواحد للوجه العلوي، والقوس الثاني للوجه السفلي. وأما {أو أدنى} فهو لمرتبة الأحدية التي هي باطن الاسم الله، وهي الباب إلى الغيب الذاتي الطامس. فلا كلام ولا علم بعد {أو أدنى}. وهذا المظهر المحمدي المحيط بجميع المظاهر، هو الذي كان ينتسب إليه عيسى عليه السلام، عندما كان يسمي نفسه "ابن الإنسان"؛ زمن كونه مظهرا له على الأرض. ومن هذه الجهة كان علم عيسى بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم، حتى أخبر عنه بقوله: {وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} [الصف: 6]؛ لكون أحمد باطن عيسى عليه السلام؛ فظاهره بهذا دل على باطنه. ولو أن النصارى كانوا يعلمون ما نقول، ونسبوا عيسى بالبنوة إلى أحمد([3]) (الحقيقة المحمدية) لما كانوا كافرين؛ بل سيكونون محققين عندئذ. بل حتى عندما نسبوه إلى الله، لو أنهم كانوا يعنون الاسم وحده، لما كفروا؛ ولكن أنى لهم!.. وعندما وقعوا في الالتباس، كما وقع بعض المسلمين (المتسلفة من التيميين على الخصوص) فإنهم جهلوا ثم كفروا (كفر المسلمين كفر أصغر وهو الحجاب). جهلوا لأنهم لم يتبيّنوا مظهرية الحقيقة المحمدية المخلوقة والمتجلية في عيسى وكل خليفة؛ من كونها بين الله وعيسى في المرتبة؛ وكفروا لأنهم قالوا كما حكى الله عنهم: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} [المائدة: 17]؛ فنسبوا هذه الحقيقة إلى مريم عليها السلام بالبنوة؛ وهذا لا يصح!([4]).. ولعل القارئ سيلاحظ كيف جزنا من الكلام عن الحقيقة المحمدية إلى المظهر العيسوي في تجاوز للمظهر الآدمي الأول؛ ولعله يتساءل عن العلة، فنقول: بعد أن عرّفنا المظهر السماوي للاسم الله، فإنه كان يجدر بنا المرور إلى المظهر الأرضي الذي كان هو آدم الأول في الزمان. وبما أن عيسى مظهر آدمي خلافي ادعيت فيه مرتبة ربه من دون آدم؛ وهذا بسبب الربط بين المرتبة السماوية والمرتبة الأرضية. فدل هذا على أن المظهر الأرضي يكون خليفة عن المظهر السماوي، كما يخلف ظاهر الإنسان باطنه؛ بل هو ذاك. ألا نعلم يقينا من كل أحد، أن المتصرف منه هو غيبه، مع أننا لا نشهد ذلك إلا من جسمه الترابي؟!... ومع علمنا بوحدة المسمى في الحالين؟!... فهذا عينه هو نسبة الخلافة إلى المظهرين الأرضي والسماوي، مع كون الاسم واحدا، وهو "الله". مثال ذلك، أن تقول: ألقى علي الحجر؛ مع كون عليّ حقيقة هو غيبه لا جسمه الترابي المنصاع له، والذي لا ترى أنت الإلقاء إلا منه. فالخليفة في ازدواج حقيقته، هو على صورة ازدواج مظهر الألوهية في السماء والأرض. وهذا الازدواج يظهر أيضا في الإمامين اللذين تحت القطب، والذي يكون أحدهما متصرفا في الأرواح العلويات والآخر متصرفا في الأجسام السفليات. نحن نعلم أن هذا الكلام جديد على الناس وغريب يخالف المعهود لديهم. ولكن إدراك الخصوصية، لا بد فيه من هذا التقديم، ليعلم القارئ أصول ما ندل عليه. ولعل سائلا يسأل: فهل كان الخلفاء الأربعة على هذه المرتبة؟ فإن كانوا، فلمَ لم يبلغ الناس عنهم ذلك، حتى يسهل إدراك مرتبتهم ومرتبة من بعدهم من الخلفاء؟.. فنقول: نعم، لقد كان الخلفاء الأربعة على تلك المرتبة من غير شك؛ بل ليس الدين كله إلا معاملة الاسم من وراء المظهر الخلافي فحسب. وأما ما يعتقده العامة من معاملة للذات، فإنه من أثر شركهم اللازم لمرتبتهم. وهو معفو عنه، ما داموا لا يدخلون في الكلام التنظيري للعقائد، الذي ورثوه عن المتكلمين. فإن هم فعلوا، فإنهم سيُسألون عما يقولون!.. وأما العلم بحقيقة الخلفاء، فكان دائما مختصا بخواص الأمة دون العوام؛ لحِكم منها: أن العوام يضلون بسهولة عند سماع كلام الخصوصية، فتختلط عليهم أحكام العبودية بأحكام الربوبية، كما وقع للنصارى. ولقد سمعنا من بعض المتسلفة عند إنكاره لكلام يراه ضلالا ولا تليق نسبته إلى الإنسان، يقول: "ماذا ترك هذا لله!"؛ وهو لا يعلم أن النطق بهذه العبارة، لا يدل إلا على شركه. ولن تجد أبدا أحد الخواص ينطق بمثلها، ولو سمع ما سمع. فهذا بعض ما يميّز الخواص عن العوام. وانظر إلى حال الشيعة عند معرفتهم قليلا بحقيقة عليّ عليه السلام، كيف أن فئة منهم ادعت فيه الألوهية بيسر!... نعني من هذا، أن الجهل في حق ضعيفي الاستعداد، يكون رحمة من الله بهم. ولو أن الشيعة كانوا يعلمون مرتبة الخلافة عن الله حقيقة، لما قصروها على عليّ وحده عليه السلام وعلى الأئمة المعلومين لديهم من بعده؛ لأن بعض الأئمة لم يكونوا خلفاء بالمعنى الكامل، كما أن البعض الآخر إما كان من أهل خلافة الباطن وحدها كالحسين عليه السلام، أو كان من الأفراد، الذين هم نظراء للملائكة العالين من البشر. وإنكار الرافضة لخلافة الخلفاء الراشدين الثلاثة السابقين لعليّ، إنما هو من الجهل بالخلافة عموما فحسب. من هنا يظهر أن الجهل بهذه المسألة لا يسلم منه لا أهل السنة ولا الشيعة. وهذا أَدْعى لأن يجتمعوا جميعا على المعنى الصحيح؛ خصوصا وأن زمن المهدي عليه السلام على الأبواب. وعند ظهوره، ينبغي أن تُعلم له هذه المكانة على الوجه الذي ذكرنا، والذي يُرضيه عنا ويجعلنا موافقين للحق فيه عليه السلام. ولو أننا تتبعنا دلائل الخلافة لدى الخلفاء، لرأى الناس العجب؛ ولكن ذلك سيطول كثيرا، ويُخرجنا عن غرض الكتاب. ونحن هنا إنما نريد التنبيه إلى هذه المرتبة المجهولة، على عظمها ومحوريتها في الدين فحسب. أما العوام الذين ينزهون الله بعقولهم عن وجود خليفة له، من غير أن يُعلمهم الله بتنزيه نفسه سبحانه منه، فإنّ كل ما يقولونه في هذا الباب هو جهالة وسوء أدب كبيران. ولو أنهم كانوا يقدرون الله حق قدره، لسمعوا قوله سبحانه: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ} [الصافات: 180]، ووقفوا عنده، وسكتوا. ولكنهم اجترأوا وفهموا من القرآن غير ما قال الله، وضلوا على علم، كما أخبر الله عن صنف من الناس بقوله تعالى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} أي: ما يُصوره بحسب هواه في خياله؛ {وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ}، لكونه يقول حقا، لكن من دون أن يعلم وجه حقّيّته؛ {وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً}، حتى لا يعلم الله، مع كونه يشاهده سبحانه (يشاهد وجوهه) ببصره وبصيرته؛ {فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} [الجاثية: 23]. وحتى ندل القارئ على أول الطريق في هذه المسألة، لكي يُسلم إن كان من المؤمنين، فإننا نورد شبهة السلفية على عجل، بسبب مخالفة التفصيل للغرض من الكتاب؛ فنقول مستعينين بالله: إن السلفية المقلدين لابن تيمية، الذي ضل عن الحق فيما ذكرناه، بسبب عدم إتيانه هذا العلم من بابه؛ لا يتصورون الاسم عندما يسمعونه إلا مع مسماه الذي هو الذات. والحقيقة هي أن الأسماء هي معان أُطلقت على تجليات الذات؛ فهي من هذا الوجه غير الذات. والاسم "الله" يُطلق بمعنيين: أحدهما العلَمية على الذات، والآخر العلمية على المرتبة الجامعة لكل الأسماء. وهم عند سماع قول الله تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف: 54]، يقيسون استواء الله على العرش، على ما يعلمون من أنفسهم (الخلق)، فلا يتصورون إلا ذاتا مستوية على عرش. ورغم كل ما يقولونه في تنزيههم هنا، انطلاقا من فهمهم في قول الله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11]، فهم باقون على التشبيه (التجسيم) في الأصل، ما داموا لا يتمكنون من إدراك معنى الاسم مجردا عن معنى الذات. وهذا من أصعب الأمور على العقول، لولا أن الله يتفضل على من يشاء من عباده بهذا العلم. وعلى هذا، كان ابن تيمية مجسما، وإن تحاشى التصريح بالتجسيم كثيرا، لعلمه بمخالفة ذلك لأقوال العلماء من السلف المعتبرين؛ وخوفا من معارضة جل علماء زمانه له بأشد مما كان منهم. ثم إن قول الله تعالى آنف الذكر: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ} [الزخرف: 84]، من أكثر النصوص المحكمة مصادمة لعقيدة السلفية عند ظنهم أنه سبحانه -بالذات- في السماء؛ فكيف يكون بعد ذلك إلها في الأرض من النسبة ذاتها؟!.. فلو أنهم كانوا مؤمنين حقا، لتوقفوا واكتفوا بما يليق بمرتبتهم من علوم الظاهر؛ ولكنه الاغترار بالله، المورد للمهالك، نعوذ بالله!.. ولقد سمعت هذه الأيام أحد المفكرين، وهو غير سلفي، لكنه لا يتمكن من الخروج عن عقله، يقول بتكفير كل من يقول بالخلافة عن الله بالمعنى الذي ذكرنا. فوجدته كالصبي الذي يُنكر على الراشدين ما لا يعلمونه إلا بعد البلوغ، وهو لا يدري أنه فاضح لنفسه فحسب!.. وكم من متكلم، لو علم عاقبة كلامه لتمنى أن يُقطع لسانه قبل النطق؛ ولكن أين هذا العلم!.. وكيف يرجو هؤلاء أن يهتدوا إلى الحق، وهم يسدون الباب دونهم إليه، من أول حركة. إن هذا لشيء عجاب!... ولنعد إلى ما كنا بصدده من الكلام عن خصائص القيادة الربانية... لما كان حزب الله يرأسه الخليفة في كل زمان، كان الاقتراب منه بالمرتبة إن تعذرت معرفته، من أكبر التوسل إلى الله لأجل نيل الرغائب. وكان الأجدر بالإسلاميين أن يتقصوا أثره، لكونه فردا من هذه الأمة، لعلهم يظفرون بموافقته لإنجاح مسعاهم، إن كانوا حقيقة يبغون نصرة الدين وإعلاء كلمة رب العالمين؛ بدل أن ينخرطوا في جوقة المنكرين من المتسلفة الجاهلين، وأسارى الفكر من الحداثيين المتأسين بالكافرين. ذلك لأن الأسماء كلها مع هذا الخليفة، كما يكون الجند مع قائدهم. ومن كانت معه الأسماء فإنه يتصرف في الأشياء بأيها شاء. وهو هنا {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء: 23]. وقد دللنا على هذا المعنى في أحد كتبنا عندما قلنا إن القطب (الغوث) من جهة مرتبته، هو فوق حكم الشريعة؛ لأن مرتبته هنا وجودية لا حكمية. فلعل هذا التوضيح هنا، أن يسعف من عسر عليه إدراك المعنى هناك. أما ظن العوام أن الأولياء ملزمون بموالاة المؤمنين، قياسا منهم على ما يتعلق بالمؤمنين من أوامر معلومة من الكتاب والسنة (أحكام الشريعة)، فإنه لا يلزم من نتحدث عنهم من مرتبتهم؛ لأنهم لا يتصرفون في الكون بحسب الأحكام وإنما بما تعطيه الإرادة. وإرادة الله لا تتقيد بتكليف كما هو معلوم، تعالى الله!.. وإلى تنزُّه الإرادة عن التقيّد بالأحكام، يشير قول الله: {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء: 23]، لمن كان ذا عقل. ولو علمت المعتزلة ما نقول، ما كانوا قالوا بوجوب شيء على الله. فهم أيضا مشبهة من هذا الوجه، وإن كانوا لا يعلمون؛ لأنهم قاسوا الحق على الخلق، وهو لا يصح!.. والخليفة يمد المؤمنين كما يمد الكافرين عملا بقول الله تعالى: {كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا} [الإسراء: 20]. وهذه مزلة قدم أودت بكثير من علماء الدين الرسميين، وحجبتهم عما ينفعهم النفع العظيم. وأما إن سأل سائل: لو كان هؤلاء يتصرفون كما يشاؤون، فلمَ يصيبهم المكروه؟.. فنقول: هذا إيراد لا يصدر إلا عمن يأكل من تحت قدمه، ولا يعلم إلا ما يقبله عقله القاصر بمنطقه لا بمنطق الدين. ألم تر إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهو الخليفة بالأصالة، الذي لا يُدانيه ملك ولا نبي، يُشتم وتُلقى عليه القاذورات من المشركين، وتُكسر رباعيته الشريفة؟!.. فإن قلت: فكيف يكون كل هذا، وهو صلى الله عليه وآله وسلم من هو؟ فنقول بل الأعجب من هذا هو تأذي الله من قِبل عباده وصبره على أذاهم!.. ألم يقل النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «مَا أَحَدٌ أَصْبَرُ عَلَى أَذًى سَمِعَهُ مِنَ اللَّهِ! يَدَّعُونَ لَهُ الْوَلَدَ، ثُمَّ يُعَافِيهِمْ وَيَرْزُقُهُمْ»[5]. ألم يكن الله قادرا على أن يفنيهم في لمحة أو أقل منها؟!.. فهذا أيضا شأن الخليفة، لأنه على صورة مستخلفه على التمام. ومن لم يعلم مرتبة الخلافة من هذا الكلام، فمحال أن يعلمها من غيره؛ إلا أن يشاء الله. فإن قال القائل: وأنى للإسلاميين أن يعرفوا كل هذا!.. وأنى لهم بالخليفة أو من يجالسه!... قلنا: لذلك نصحناهم بالتأخر وعدم التقدم إلى الصف الأول؛ لأن الصف الأول له أهل، إن لم يُتأدب معهم حلت العقوبة بالمتجاوز. وقد نصحنا نحن الإخوان المسلمين عند توليهم حكم مصر بالتأدب مع أولياء مصر أولا، ليضمنوا تأييد الحق لهم؛ وكتبنا ذلك في كتبنا التي تناولنا فيها الفقه السياسي وأحوال مصر في ذلك الوقت، فلم يلتفت إليها أحد. وكانت النتيجة خسرانا تاما للمشروع الإخواني، نرجو لهم من الله أن يكون خسرانا دنيويا لا أخرويا. ونحن الآن عندما نكتب هذه الورقات، فإننا نرجو أن لا يكرر الإسلاميون أخطاءهم، بحصرهم النظر فيما يعقلون وحده. لو أنهم ينظرون في كلامنا بإنصاف وتواضع، فإنه سيَبين لهم أنهم لا يكادون يعلمون شيئا مما أقحموا أنفسهم فيه... وقد ذكر أحمد بن مبارك السجلماسي الفاسي من كلام شيخه سيدي عبد العزيز الدباغ المغربي، غوث زمانه وآية ربه في أوانه، في كتابه "الإبريز من كلام سيدي عبد العزيز" كلاما عن ديوان (برلمان) رجال الغيب، وعن أحوال الغوث ومن تحته من الرجال، يُستأنس به لمن تحلى بالإنصاف والتسليم. أما إن وجد المرء نفسه غير محتمل لهذا الكلام، ووجد عقله يضيق عنه، فإننا ننصحه بالاشتغال بما يخصه في نفسه من الأعمال المشروعة، من دون أن يدخل في شيء مما يتعلق بالشأن العام للأمة. فإن لزم الأمر، فليعن غيره على ما يعلم أنه طاعة لله، وليُمسك لسانه عن الكلام والتنظير؛ فإنه سيُسأل عن ذلك يوم القيامة وهو لا يعلم له جوابا. فاللهَ اللهَ في الأنفس!... لا شك أن اللبيب سيعلم من الكلام السابق، أن الله إذا أراد نصرة عباده المؤمنين، فإنه سيوفقهم لتقديم خواصهم في أمورهم، ليستجيب لهم سبحانه فيهم. وأما إن أراد خذلانهم، فإنه يجعلهم ينصرفون عنهم، وربما يشددون عليهم النكير، وقد يتعرضون لهم بالأذى، فينتقم الله منهم، وهم لا يشعرون. وقد كانوا يتوهمون أنهم بإيمانهم العام (كحال الإسلاميين)، يستوجبون من الله النصرة من غير أدنى شك، ويتوهمون أنهم في ذلك على مثل ما كانت الأنبياء أو الصحابة؛ وهيهات!.. الصحابة كانوا مع الخليفة الأصلي صلى الله عليه وآله وسلم أو مع أحد خلفائه، أما هم فمع أنفسهم وشياطينهم!.. فأنى يُستجاب لهم؟!.. وأما الكلام العام الذي يُقنع به القادة من الإسلاميين أتباعهم في هذا الباب، فإنه ديماغوجيا لا أصل له من الدين. والجهل بهذه الحقيقة، هو ما جعل كثيرا من الإسلاميين ينبذون الدين جملة، عندما ارتبطت في أذهانهم النصرة المتخلفة، بما ليس مناطا لها، مما هم عليه من اعتقادات وأعمال. وهذا الأمر وحده، لو تتبعناه، لتطلب الكلام فيه كتابا مستقلا لسعته. قد يظن الإسلاميون الذين تربَّوا على النقد والجدل الفكريين في المعاهد العصرية، أن ما ذكرناه هو قريب من الخرافة. وينسون أن الدين شطره غيب وشطره شهادة؛ وأن الإيمان القلبي يتعلق بالغيب لا بالشهادة؛ وأنهم بإعمالهم للمنطق العقلي في أمور الدين، قد حُرموا معظم الإيمان، واتبعوا ما يوسوس به الشيطان. واللعين من أشد العباد إتقانا للمنطق الفكري، وبه يستهوي المخذولين ممن ذكرنا. ولو رأى الناس إلى قول الله في مستهل البقرة: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ . الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} [البقرة: 2، 3]، قبل أن يذكر الأعمال البدنية والمالية من صلاة وزكاة، لعلموا ما نشير إليه. فأين العمل بالترتيب القرآني في النفس، إن كنا نريد بلوغ حقيقة الحكم بالشريعة فيما يعود إلى السلطان! وهو مما يعم أثره ولا يخص؟.. ألم يعلم إخواننا أنهم بعملهم ذاك سيصدق عليهم قول الله تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [البقرة: 44]؟!... نعني أنه كان عليهم أن يؤمنوا حقيقة، لتصح لهم دعوة غيرهم إلى الإيمان؛ وكان عليهم الامتثال لأوامر الشرع في أنفسهم، قبل أن يدعوا غيرهم إلى تحكيمها في الشأن العام. وهذا الذي نقوله، لا ينفي التآمر بالمعروف والتناهي عن المنكر العامين؛ وإنما يرتّب درجات الآمرين والناهين فحسب؛ لئلا يسبق الجاهلون (كما هو واقع) العالمين. فهذا أمر، وذاك أمر آخر. وفي الختام، فإن عوام المؤمنين، يكفيهم مع خليفة زمانهم الغيبي، أن يتأدبوا على غير تعيين، بالإقرار بمرتبته، وتوقيرها؛ لأن توقير الخليفة من توقير مستخلفه سبحانه. وأما إن ظهر المهدي، فإن الإقرار ينبغي أن يكون لشخصه الشريف على التعيين والتخصيص؛ كما ينبغي أن يُترجم هذا الإقرار إلى اتباع يكون فيه العبد جنديا من جنوده، يضعه عليه السلام حيث يشاء... هذا هو ما يليق بمن يدعو إلى إقامة الخلافة!.. [1] . أخرجه أبو داود في سننه، عن ثوبان رضي الله عنه. [2] . أخرجه ابن ماجة في سننه عن أنس رضي الله عنه، وكذا الدارمي في السنن وأحمد في المسند. [3] . لاحظ أن "أحمد" بصيغة التفضيل، يدل على المظهر العلوي الذي ذكرناه. [4] . نحن نعود بمعاني الأقوال إلى أصولها، ولا نلتزم بما يقصده أصحابها منها. [5] . متفق عليه، عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه. |