انتهاء الاعتصام بعد
1255
يــــــوم
بسم الله الرحمن الرحيم. يُنهي شيخ الطريقة العمرية عبد الغني العمري الحسني، إلى علم الرأي العام، ومن بعده إلى علم أتباع الطريقة العمرية في أنحاء العالم، أنه: 1. قد عزم على إيقاف اعتصامه مع عائلته داخل بيته نهاية يوم الثلاثاء 15-5-2018م، بمناسبة حلول شهر رمضان الكريم لعام 1439ه. وللإشارة، فإن هذا الاعتصام قد بدأ يوم الاثنين 8-12-2014م، واستمر طيلة 1255 يوم. 2. سيغادر مدينة جرادة التي كانت محل اضطهاده وعائلته من طرف السلطات المحلية والأجهزة الأمنية، مع توظيف الأوباش والسفهاء من أهل المدينة في هذا العمل الشنيع. وسيكون مقر الشيخ المقبل إن شاء الله بمدينة سلا، مرفوقا بجميع أفراد عائلته. حرر بجرادة ليلة الأربعاء: 16-5-2018م. شيخ الطريقة العمرية: عبد الغني العمري الحسني
Translated
Sheikh's Books |
2021/10/12
مسألة المنهج في العلوم
المنهج هو المبادئ الحاكمة على العلم، والمنهجية هي العمل على المنهج، بحسب ما درج عليه الإبستمولوجيون (باختصار)؛ لهذا يرى بعضهم أن المنهجية إجرائية، وأن المنهج "فلسفة". ونحن وإن كنا لا نوافق أحيانا على بعض الإطلاقات، كما هو شأن "الفلسفة" هنا؛ إلا أننا لا نرى بأسا من التلاقي مع غيرنا عليها، تسهيلا لبلوغ الغايات من الكلام. وأول ما نرى أنه يجب التفريق فيه، هو "العلم"، من حيث هو واحد وجامع؛ والعلم من حيث هو جزئي تفصيلي. فالعلم الواحد عندنا هو العلم بالله، لأنه أعلى العلوم وأجمعها؛ والعلوم الجزئية، هي كل علم شرعي أو عقلي، بما في ذلك ما يسمى "العلوم الإنسانية". وهذا أيضا من الإطلاقات التي لا نوافق عليها من حيث الأصل، وإن كنا نوافق نسبتها إلى الإنسان من جهة الحكمة. ونعني من هذا، أن صفة العلم إلهية، وهي حيثما ظهرت تعود إلى الله؛ فنقول إن فلانا العالم قد آتاه الله علما (أي أظهر عليه مقدارا من صفته)؛ أما الذين ينسبون العلم حقيقة إلى الإنسان، فهم جاهلون من غير شك. وأما قبولنا نحن بنسبة العلم إلى الإنسان، فهو لعدم خلوصه في الغالب، بحيث يكون علما مخلوطا بجهل، أو يكون ظنا أو توهما، وهو ما لا تليق نسبته إلى الله؛ هذا فحسب. فالعلوم الجزئية منها الشريعة بفروعها، ومنها اللغة وفروعها، ومنها التاريخ والعلوم التجريبية وغيرها، مما هو معروف بهذه الصفة عند الناس، مهما صغرت دائرته... والمنهج المتعلق بالعلم الواحد الجامع، لا بد أن يكون منهجا عاما أصليا؛ سميناه نحن في دراساتنا في معهد العمرية: أصول العلم. وهذا المنهج يتعلق أساسا بالوجود ومراتبه، لتظهر المعلومات كلها -حقا وخلقا وعلوا وسفلا- خاضعة لنظمه، به يبرز تمايزها وتراتبها. ولولا هذا المنهج، ما فرّق أحد بين إله ومألوه، ولا بين رب وعبد، ولا بين أرض وسماء؛ وبالتالي عادت التفاصيل إلى أصلها في العماء الذي أخبر عنه النبي صلى الله عليه وآله وسلم. فعن أَبِي رَزِينٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ (وهو من أهل الصُّفّة)، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيْنَ كَانَ رَبُّنَا قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ خَلْقَهُ؟ قَالَ: «كَانَ فِي عَمَاءٍ، مَا تَحْتَهُ هَوَاءٌ وَمَا فَوْقَهُ هَوَاءٌ، وَخَلَقَ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ.»[أخرجه الترمذي في جامعه، وابن ماجة في سننه، والطبراني في المعجم الكبير.]. ولقد عدل النبي صلى الله عليه وآله وسلم في تعريف العماء عن السحاب الذي هو العماء لغة، لذلك نفى عنه الهواء فوقا وتحتا؛ ليبقى المعنى منوطا بالمرتبة الوجودية التي لا تمايز فيها، والتي يكون المعلوم فيها أحديا، وبالتالي فعلمها أيضا أحدي. وهو خلاف العلم الذي قلنا عنه نحن إنه واحد وجامع، والذي هو من مرتبة أسفل من مرتبة العماء، من غير شك. وهذا العلم الجامع الواحدي يعود إلى الاسم العليم خاصة، ويكون على قدر عمومه وإطلاقه. يقول الله تعالى: {وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا} [الطلاق: 12]. وهذا يعني أن لا معلوم على الإطلاق، إجمالا وتفصيلا، إلا وهو معلوم للعليم سبحانه. ومن مدد هذا العلم، يكون كل علم يعلمه الناس، بصرف النظر عن كونه صحيحا أم سقيما، ظنا، أم وهما. لهذا، فمن أراد أن يحصل بعضا من العلم المعتبر، فعليه أن يطلبه من الله العليم، من الطريق التي دل هو عليها، لا من أي طريق... وأما العلوم التي تتعلق بالمجعولات كالشرائع والمعقولات، فهي من مرتبة أنزل مما ذكرنا آنفا، وإن كانت بالنظر إلى غيرها قد تبدو أعلى. فنجد في العلوم الشرعية الفقه، ونجد أصول الفقه، وهو أعلى منه؛ ونجد في المعقولات الفلسفة، ومنها المنطق والرياضيات. والمنطق الذي هو صنوف ومراتب، منه ما يتعلق بالفلسفة وهو عام، ومنه ما يتعلق بالرياضيات وهو خاص؛ والخاص أدنى من العام هنا. وأصناف المنطق حيث وُجدت، تكون منهج العلم المتعلقة به دائما. وهذه العلوم الجزئية والتفصيلية تحكمها أسماؤها من تحت الاسم العليم، فينشأ عن هذا التعدد في الأسماء علوم مركبة هي العلم الصحيح المعول عليه فيها؛ أما ما يخرج عنها، فقد يدخل عليه العقل فيفسده أو ينقص من نقائه، أو قد يعيده غلطا إن غلبت عليه الظلمة، فاستبدلها بما تعطي الأسماء من نور. ولهذا السبب كانت التزكية ضرورية لأجل تحصيل العلوم. وهذا القدر هنا، يكفي لأن نميّز بين العلم المطلق، والعلم المقيّد. وأما الآن فسنبرز منهج التاريخ، من حيث هو نموذج للعلوم؛ لكن قبل ذلك لننظر إلى مناهج التاريخ المعروفة، ولنقارن بينها لعلنا نعثر على مشتركات تؤكدها؛ فنقول: من الدارسين للتاريخ، من تتبع الأحداث فيه، ورتبها بحسب مرورها في الزمان، وجعل التقدم والتأخر ناظميْن. وهذا صحيح، لكنه يناسب أسفل المراتب؛ ولذلك يُعمل بهذا المنهج في تاريخ الأرض، ومن باب التجريد وحده. أما بعض الدارسين، فقد جعلوا أمرا ما صُلب نظرتهم إلى التاريخ، كالصراع الطبقي عند ماركس، والواقع الاجتماعي عند ابن خلدون؛ وغير ذلك... ولقد نتج عن هذا التعدد مدارس متخصصة، كل منها يقرأ التاريخ قراءة خاصة به؛ والشيء المؤكد فيها هو أنها لا تخلو من جهل ومن توهم. وليس هذا حاصل من الناظرين، إلا لأنهم لا يعلمون أصل المعلومات المنظور إليها في عالم الأسماء الإلهية. وحتى نبين بعض ما ندل عليه، فإننا سنعود إلى القرآن، ولننظر كيف يُعرض التاريخ فيه. وقبل ذلك علينا أن نقرر أن القرآن ليس كتاب تاريخ، كما قد يتوهم البعض. ولهذا هو لا يعتمد التسلسل التاريخي منهجية عامة: فقد نجده (التسلسل) أحيانا في بعض التفاصيل، وقد نفقده في غيرها. ولا بد أن نسأل أسئلة، لنبني عليها إجابات مناسبة، استبعادا لكل لبس، فنقول: 1. هل التاريخ واحد، حتى يكون منهجه واحدا؟: الجواب: لا!؛ لأن التاريخ إن اعتبر كله يكون مطلقا باستغراقه لكل الأزمنة ولكل الأحداث. ولا يُدرَك هذا الصنف من التاريخ، إلا إن كان العالم له القدرة العقلية على الخروج من الزمان، لينظر إليه من الخارج نظرة كلية. ومنهج هذا الصنف هو الإطلاق، الذي منه إذا شاء بعد ذلك انطلق إلى التفاصيل التي يريدها. ونعني من هذا: النظر إلى التقيد بالإطلاق؛ وهو أمر مجهول لغير الربانيين. 2. ما هي صنوف التاريخ الأخرى؟: التاريخ صنوف باعتبار المعايير المعتمدة عند التأريخ من قِبل المؤرِّخ، أو من قِبل الشعوب والأمم المؤَرَّخ لها. وهذا الصنف من التاريخ لا يكون مطلقا أبدا، بل هو مجتزأ ومتعلق بوجه أو أكثر من حيوات الأفراد والمجتمعات. ومنهج هذا الصنف ليس ثابتا، بل هو متغيّر بحسب المؤَّرِّخ والمؤرَّخ له. وأغلب التاريخ المعلوم للناس، يكون من هذا الصنف؛ وإن كان يُراد له أن يُلبس لبوس الصدقية شبه المطلقة، على ما به من ظنيّة غير خافية. 3. هل يوجد تاريخ في القرآن؟: لقد سبق لنا أن ذكرنا في كتاباتنا أن القرآن ليس كتابا تاريخيا، لكن هذا لا يعني أنه لا تاريخ فيه. والقرآن بوصفه جامعا لكل شيء، وبوصفه صورة علمية كليّة، لا بد أن يشمل التاريخ إلى جانب كل العلوم. لكن التاريخ في القرآن –رغم التفاصيل المذكورة في عدة مواضع منه- ليس تاريخا بالمعنى المعلوم للناس؛ ولكنه تاريخ مطلق. وهكذا تكون التفاصيل المضمَّنة فيه نماذج لمراتب ومقامات تظهر بها آثار الأسماء المخصوصة. وهذا يعني أن الآيات كلها من جهة الإطلاق، تعود إلى الأسماء الإلهية الواردة فيها، أكثر مما تدل على الأشخاص والأحداث. وهذا قد جهله الناظرون في القرآن، من المؤمنين ومن غيرهم، بسبب عدم خطور الإطلاق على عقولهم. ووجود التاريخ بإطلاقه في القرآن هو مدلول قول الله تعالى: {لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [الأنبياء: 10]. فذكر كل الناس -بما أن كاف الخطاب يعم كل ناظر في القرآن عبر كل الأزمنة- موجود في القرآن، بالمرتبة والمقام لا بالأشخاص؛ لأن فلانا بن فلان لا يجد ذكره في القرآن بهذه الصفة. ويبقى ذكر الأشخاص المذكورين بالاسم في القرآن لخصوصية فيهم، يكونون بها أشمل وأعم في الصفة والحال من غيرهم. فهم بهذا، نماذج تاريخية، قبل أن يكونوا أشخاصا، أو بعد ذلك أو معه. وأما من يظن أن التفاصيل التاريخية المذكورة في القرآن، هي على طريقة المؤرخين، فإنه سيضل ضلالا بعيدا. وقد وقع في هذا الضلال صنف من المتأخرين، أرادوا إخضاع القرآن لصنوف التحليل كالهرمينوطيقا، فلم يزدادوا إلا حيرة فيه؛ بل إن جُلّهم قد ردوه، بسبب خروجه عن معاييرهم، أو شككوا فيه؛ والشك لا يجوز أن يتعلق إلا بأحد وجوهه، وإن لم يعلموا ذلك. ولقد انتقل هذا التكذيب بالقرآن من الدارسين المخطئين للمنهج، إلى كثير من المسلمين المقلدين، بسبب هيمنة الجاهلين على المجالات العلمية المختلفة، عندما صار التحكم لذوي السلطة والنفوذ من وراء المشتغلين بالعلوم. وأما الأنثروبولوجيون والإحاثيون وحتى الجيولوجيون، فإنهم توهموا من قول الله تعالى: {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ} [العنكبوت: 20]، أو قوله سبحانه: {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ} [الروم: 42]، أنه يؤخذ بمعنى المنهجية التفصيلية، لا بمعنى المنهج؛ وحتى بخصوص المنهج، هم يتوهمون أنه بحسب ما يعلمون منه في مجالاتهم؛ بينما هو بمعنى المنهج الكلي وإن كان استقرائيا. والاستقراء هنا ليس بالمعنى الفلسفي وحده، كما قد يُظنّ؛ لأن الاستقراء الفلسفي يقارب الحقائق ولا يتبيّنها؛ ولكن بمعناه اللغوي العام. فيبقى المنهج الذي يدل عليه القرآن مطلقا بإطلاق علومه، قد يظفر بعض الناس ببعض وجوهه؛ ولكن لا يُعلم من وجه إطلاقه، إلا بإعلامٍ خاص من الله. يقول الله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ . خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ . اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ . الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ . عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق: 1 - 5]. والقرآن المقصود من الآيات، هو النسخة المخلوقة التي تُجمَل في صورتَيْن: العالم من كونه إنسانا أكبر، والإنسان من كونه عالما أصغر. والعلم الذي يعلّمه الله للإنسان بتعليم منه، هو علم قرآنية كل شيء، أي علم إطلاق التقييد وتقييد الإطلاق؛ وهو ما لا يتسع له منهج من المناهج الوضعية أبدا. هذا، وتنبغي الإشارة هنا، إلى أننا عندما نقول بخلق النسخ القرآنية، فإننا لا نوافق المعتزلة في مقولتهم بخلق القرآن؛ وإنما نفتح بابا لإدراجها -بعد العلم بحقيقتها- ضمن بابها في العلم فحسب. ويبقى ما قصده المعتزلة، دون ما نقول ومخالفا لما نقول. ثم إننا عندما نتكلم عن المنهج، فنحن لا نريد منه المبادئ التي ينطلق منها العقل، عند نظره في الأمور؛ وإنما نقصد ما ينبغي أن يكون عليه العقل عند ذلك النظر. وبين الطريقين فرق جليّ: وهو أن المنهج بالمعنى الأول وضعي، والثاني رباني. ولعل القارئ سيُدرك هنا أننا عندما نتكلم عن العلم، فإننا نتكلم عن العلم المتلقَّى عن الله بالسبيل المشروع، ولا نتكلم عما يُسميه المغرورون علما، مما تُنتجه عقولهم. يقول الله تعالى: {وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ} [يونس: 36]. وليتأمل القارئ، كيف سمى الله الظن فعلا من الناس في ختام الآية. وهذا يعني أن فعل العقول (التفكر)، لا يتجاوز مرتبة الظن أبدا. ولو أن الناس المشتغلين بصنوف العلوم، علموا هذه الحقيقة، لغيرت كل مسارهم؛ ولكن الغالبية منهم لا يتمكنون من الخروج عن هيمنة عقولهم، وبالتالي سيبقون خارج دائرة العلم في جميع أحوالهم. ومما يزيد الناس جهلا بهذا الوجه، توهمهم بثبوت المادة ورفعتها ضمن المراتب الوجودية؛ وهذا ما لا دليل عليه من قِبلهم، إلا كون عقولهم تقع تحت هيمنة حسهم؛ وهو ما لا يكون صفة إلا لأصحاب العقول السفلى، مما يجعلهم غير مؤهلين لما يخوضون فيه، مما يسمونه علما. والمعاشيون عندما يأتون إلى القرآن بعقولهم، ويظنون أنهم بذلك على المنهج العلمي، فإنهم يكونون أضعف صنوف العقول؛ وبالتالي فإنهم لن يظفروا من القرآن إلا بالظلمة التي تُعمي بصائرهم. يقول الله تعالى عن القرآن: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ} [فصلت: 44]. ومَن عمي بالقرآن فلا يطمع بإدراك شيء على حقيقته، وإن كان في ظاهره يُقطع بعلمه من جهة العرف. وأما الإيمان المطلوب من أجل تحصيل الإبصار بالقرآن، فهو الإيمان بهذه الصفة القرآنية المزدوجة خصوصا، وهي: الهدى والشفاء، والوقر (الصمم) والعمى، مع وحدة الموصوف. وأما المكان البعيد الذي يُنادى منه من أبعده القرآن، فهو ما وراء طبيعته (السُّفل) التي لا يعقل سواها. وكون هذا الأصم الأعمى منادى، رغم حاله، يعني أن الحقائق في حقه غير منتفية، وإنما هي غير مدركة فحسب؛ ومن جهته، لا من جهة القرآن. ومن عرف أصل الحرمان، عظم حزنه؛ لأنه سيعلم أنه ما منعه من العلم إلا نفسه، وأما الله سبحانه ففضله واسع عميم. لقد جعلني أتكلم في هذا الموضوع، ما سمعته من بعض الدكاترة والأساتذة الجامعيين، الذين صاروا يقتاتون على فتات موائد العقل الغربي الأعمى؛ وزادني على ذلك، ما وجدته من بعض العقول العربية المعاشية، التي صارت -بسبب الضعف العقلي العام- ترى في نفسها الأهلية لأن تتكلم في المعاني القرآنية، وهي لا تبلغ حتى مستوى العقل الفلسفي أو المفكر في الحد الأدنى. وعندما يشيع الجهل في الناس، تشيع الفوضى المعرفية تبعا له؛ بغض النظر عما يشهد به بعضهم لبعض من المراتب العلمية عبر الشهادات، أو بصفة عامة عبر الثقافة الناظمة للمجتمعات في الزمان. ولعل لنا عودة -إن شاء الله- لمسألة المنهج بصفة أكثر تفصيلا وأكثر دقة، في مجال تدريس العلوم ذاتها، عند إعادة تناولنا لها في معهدنا؛ أو ضمن مقالات أخرى نتناول فيها وجوها أخرى من وجوه المنهج العلمي. أما هذا المقال، فلا نعتبره إلا تنبيها إلى أصل المسألة، ولفت نظر للمشتغلين بالعلوم في زعمهم؛ لأننا نربأ بهم أن يشتغلوا بها في الوقت عينه الذي يجهلون فيه منهجها... {وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ} [الأحزاب: 4]... |